خطبة الجمعة : اتق المحارم

إتق المحارم

الحمد لله الذي أحل الحلال وأطابه،, ونهى عن الحرام وحرم وسائله وأسبابه ,, وأشهد أن لا إله إلا الله ، وحده لا شريك له ، أعطى الفطرة حقها في الخلق والإنعام, وجعل لها في الحلال ما يغنيها عن الحرام ،
وأشهــد أن سيدنا وحبيبنا محمدا عبده و رسوله بيّن الشريعة للأنام,, وسلك بالعالمين طريق الوفاق والوئام,,
اللهــم صل عليه وعلى آله البررة الكرام،وعلى أصحابه الأئمة الأعلام ، وعلى التابعين لهم بإحسان على مدى الأيام \
أما بعد......... إخوة الإيمان والعقيدة
في مجلس بهي.. مع الحبيب النبي..صلى الله عليه وسلم..وهو المبعوث رحمة للعالمين.. ومرشدا وإماما للمتقين.. وشافعا وقائدا لهذه الأمة يوم الدين.. تعالوا نقف عند مجلسه.. لنسمع حكمته و هديه.. الحديث أورده الإمام السيوطي في الجامع الكبير..و الإمام أحمد في المسند..و الإمام الترمذي في السنن.. والإمام البيهقي في شعب الإيمان.. كان النبي صلى الله عليه وسلم جالسا بين صحابته فقال..: مَنْ يأخُذْ عَنِّي هؤلاء الكلمات.. فيعمل بِهِنَّ ، أو يُعَلِّمَ مَنْ يَعْمَلُ بِهِنَّ ؟ قال أبو هريرة، فقلتُ : أنا يا رسولَ الله ، فأخذ بيدي وَعَدَّ خَمْسا ، فقال : اتَّقِ المحارِمَ تَكُنْ أَعبد الناسِ. وارضَ بما قسم الله لك تكن أغنى الناس ، وأَحْسِنْ إِلى جَارِكَ تَكُنْ مُؤْمِنا ، وأَحِبَّ للناس ما تحب لنفسك تكن مُسْلِما , ولا تكثر الضحك ، فإن كثرة الضحك تُميت القلب..خمس وصايا، قدمها الرسول الحبيب صلى الله عليه وسلم , لأبي هريرة ولمن حوله من الصحابة .. و هي وصايا للأمة..و منارات هدي إلى يوم القيامة..
ولقاؤنا في هذا اليوم المبارك.. يجمعنا مع الوصية الأولى ..يا أبا هريرة.. اتَّقِ المحارِمَ تَكُنْ أَعبد الناسِ.. ما هي هذه المحارم حتى نتقيها.. ورغم أن الحلال بين وأن الحرام بين..تعالوا نفتح كتاب الله..لنتبين من خلال آية من ذكره الحكيم .. ما حرّم الله .. يقول جل جلاله... : قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ.. وَالإِثْمَ ..وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَن تُشْرِكُواْ بِاللّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا..وَأَن تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ ..{الاعراف 33}.. في حياة الناس..من أمة حبيبنا محمد..صلى الله عليه وسلم ..من أمة الإسلام .. حين ينظر الإنسان في واقع الكثير من المسلمين.. يرى تساهلا كبيرا..في الإقبال على الحرام.. قد يكون سببه الجهل.. وقد تتغلب الرغبة في متاع الدنيا..وقد يخنس الوسواس..وقد يكون السبب ضعف الإيمان .. .لكن.. النتيجة واحدة.. النتيجة مره.. فهل رأيت أيها المؤمن..من اعتدى وظلم ..يعيش في هناء و سعادة؟ هل رأيت من فعل الفواحش ..يعيش في رخاء ؟..هل رأيت من أكل أموال الناس بالباطل ..يعيش في اطمئنان..لا..قد يعجبك المظهر..قد يعجبك المسكن.. لكن.. فتـّش عن القلب..هل تجده في دنيا الهانئين..هل تلمح فيه سعادة..
من الناس أيها المؤمنون.. من يعرف أن الأرض لا يملكها.. فيزرع ويحرث .. ويغرس..ويبني.. فإذا قام أصحاب الأرض..جاء بالشهود.. واستصدر الحكم ..وإذا سألته..يقول ربحت حكم المحكمة... ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول.. والحديث عند الإمامين البخاري ومسلم .. مَنْ أَخَذَ شِبْرًا مِنْ الْأَرْضِ ظُلْمًا بغير حق.. فَإِنَّهُ يُطَوَّقُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ سَبْعِ أَرَضِينَ..ومن الناس من يغير الحدود..ولا يرى بأسا في ذلك..و لا يرى فيه اعتداء..بل يعتقد أنه أضاف غنما .. واستزاد ربحا.. وأما رسول الله صلى الله عليه وسلم .. والحديث في صحيح مسلم .. فقد أخرج من يغيّر الحدود من رحمة الله .. فقال صلى الله عليه وسلم .. لَعَنَ اللَّهُ مَنْ غَيَّرَ مَنَارَ الأَرْضِ..فكيف يا مسلم..وأنت الميت ..وأنت الذي ستترك الحياة.. و بهجة الحياة..اسمع إلى قول حبيب هذه الأمة.. وهو حبيب الله..قال أتاني جبريل عليه السلام فقال يا محمد عش ما شئت فإنك ميت وأحبب من شئت فإنك مفارقه واعمل ما شئت فانك مجزى به .. كيف بك يا مسلم..وأنت الموقوف أمام الله.. يَا أَيُّهَا الإِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلاقِيهِ..{الإنشقاق 6}..كيف بك يوم القيامة .. والناس يبحثون عن مثقال ذرة من الحسنات .. كيف بك إن خرجت من رحمة الله..لا تهون الأمر.. لا تغفل.. لا تستصغر الذنب .. في صحيح الإمام البخاري.. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم.. دَخَلَتْ امْرَأَةٌ النَّارَ فِي هِرَّةٍ .. رَبَطَتْهَا فَلَمْ تُطْعِمْهَا.. وَلَمْ تَدَعْهَا تَأْكُلُ مِنْ خَشَاشِ الْأَرْضِ .. احذر من المال الحرام .. حدث نفسك أن عليك الرقيب.. الذي يراك من حيث لا تراه..

إذا ما خلوت الدهر يوما فلا تقل خلوت
..ولكن قل علي رقيب
و لا تحسبن الله يغفل ساعـــة
ولا أن مــا تخفــيه عنه يغيب
ألم تر أن اليوم أســــرع ذاهب
و أن غدا للنــاظريـن قريــب

أين جارك في الحقل.؟.أين رفيقك إلى المسجد.؟.أين صاحبك في السوق.؟. أين من كنت تأنس.؟. غادروا الدنيا..بماذا ذهبوا.؟. وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى ..وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى .. ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاءَ الْأَوْفَى .. وَأَنَّ إِلَى رَبِّكَ الْمُنْتَهَى..{النجم 39-42} .. دخل عمر بن عبد العزيز المقبرة.. وهو أمير المؤمنين..وتحت إمرته دنيا المشارق والمغارب ..وقف بين القبور..وقال وهو يبكي..
أتيت القبور فنا ديتـــها أيـــــن المـعظّـم والـمحتــقر
وأين المد ل بسلـطــانه وأيــــن القوي على ما قدر
تفانوا جميعاً فما مخبرٌ وماتوا جميعاً ومات الخبر
فيا سائلي عن أناس مضوا أما لـــك فيما مضى معتبر

وتذكر أيها المسلم.. أن عندك الكرام الكاتبين..يقول الله جل و علا.. وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ .. كِرَامًا كَاتِبِينَ..يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ..{الإنفطار10-12}..وتذكر أيضا أن الحرام لا ينفع..وأن مليما واحدا يفسد ثروة..

جمع الحرام إلى الحلال ليكثره جاء الحرام على الحلال فبعثره

وأن حقوق الناس..وأموال العباد..هي من أعظم الأمور في هذا الدين.. ولو كان المسلم على درجة من الصلاح والتقوى.. ولو كان محافظا على الصلوات..ولو كان ملازما للمساجد.. ما نفعه ذلك شيئًا.. حتى يؤدّيَ الحقوق إلى أهلها. فاحذر الدين يا مؤمن..لا تفرط فيه..لاتستهن بمقداره..ولو كان قليلا..
قَالَ جَابِرٌ بن عبدالله.. : تُوُفِّىَ رَجُلٌ من الأنصار فَغَسَّلْنَاهُ وَكَفَّنَّاهُ ثُمَّ أَتَيْنَا بِهِ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم.. لَيُصَلِّىَ عَلَيْهِ فَتَخَطَّى خُطًى ثُمَّ قَالَ : أعَلَيْهِ دَيْنٌ؟ فقالوا: عليه ديناران يا رسول الله! فتأخر صلى الله عليه وسلم، وقال: صلوا على صاحبكم، ما أنا بالذي يصلي على مدين.. فقال أبو قتادة : أنا أحملها عنه يا رسول الله! قال: فتقدم صلى الله عليه وسلم.. فصلى، ثم لقي أبا قتادة بعد يومين فقال: ما فعل دين صاحبك؟ قال: قضيته يا رسول الله! قال: الآن بردت جلدته..
أيها المؤمن..أنت مأمور بحفظ جوارحك من الحرام.. فهل حفظت عينك عن الحرام ..و خالقنا جل جلاله أمرنا في القرآن العظيم..فقال.. قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ..{ النور 30}.. وأمر النساء فقال.. وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ.. {النور31}.. هذا تأكيد من الله للرجال و النساء..حتى لا تنساب العين ..إلى ما حرم الله.. فيتعود القلب على الحرام.. . أيها المؤمن..أنت مأمور بحفظ اللسان..من الخوض في أعراض المسلمين .. وتجريح الغير .. فراقب كلامك قبل الكلام .. وحبيب هذه الأمة حذرنا من الكلمة فقال صلى الله عليه وسلم..إِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ سَخَطِ اللَّهِ.. لَا يُلْقِي لَهَا بَالا.. يَهْوِي بِهَا فِي جَهَنَّمَ- رواه الإمام البخاري .. وفي شرح صحيح البخاري .. يوم مرت أم المؤمنين صفية من أمام بيت أم المؤمنين عائشة..ورسول الله صلى الله عليه وسلم ..جالس..قالت له السيدة عائشة..حسبك من صفية..و أشارت بيدها إلى الأرض.. أي أنها قصيرة..ماذا قال لها الحبيب..قال لها يا عائشة.. لقد قلت كلمة .. لو مزجت بماء البحر لمزجته .. و يوم سأل سيدنا معاذ حبيب هذه الأمة قائلا.. يا رسول الله أكلما نتكلم به يكتب علينا ؟ قال : وهل يكب الناس على مناخرهم في النار إلا حصائد ألسنتهم ؟ يا معاذ.. انك لم تزل سالما ما سكت.. فإذا تكلمت كتب لك أو عليك ..
أيها المؤمن.. أنت مأمور بان تنزه سمعك عن كل كلام بذيء..و أنت المؤمن ..وأنت ابن الإسلام..لا يليق بك سماع الفحش..لا يليق بك سماع اللغو..لا يليق بك سماع سيء الكلام..ورب العزة تبارك و تعالى قد أمرك..فقال جل وعلا.. وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤولاً..{الإسراء36}..أيها المؤمن أنت مأمور باجتناب الفواحش..ما ظهر منها و ما بطن..فالنظرة الخائنة حرام، والخلوة الآثمة حرام، والصورة العارية حرام، واللمسة الآثمة حرام ، وكل ما أدى إلى الحرام فهو حرام..
اللهم جنبنا كل حرام.. و جنب الحرام ما رزقتنا.. اللهم لا تجعل لنا فيه النصيب.. واكتب لنا الحلال في جميع أمرنا.. اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلا وارزقنا اجتنابه..واجعلنا اللهم من عبادك الطائعين
أقول قولي هذا.. و أستغفر الله العظيم الكريم لي ولكم..فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم..ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم \