التـوبـة

الحمد لله محب التائبين ..وغافر الذنب عن المذنبين .. أشهد أن لا إاله الا الله .. وحده لا شريك له .. أنار طريق الهدى لعباده الطائعين ..و حثهم على التوبة في كل آن و حين ..و اشهد أن سيدنا و حبيبنا محمدا عبده و رسوله .. إمام المتقين ..وسيد التائبين .. اللهم صل وسلم عليه في الأولين و الآخرين..وارض اللهم على آله الأكرمين الأطهرين..و على صحابته الغر الميامين..و على التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين..
أما بعد .. إخوة الإيمان والعقيدة
يفتتح لقاؤنا اليوم .. رب العزة تبارك و تعالى .. يفتتحه بنداء رباني .. لعباده المؤمنين .. يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا.. تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا .. فتعالوا أيها المؤمنون .. نفتح معا باب التوبة .. و ربنا التواب ذو الرحمه .. و التوبة عبادة .. وهي مطلوبة من المؤمنين .. كما هي مطلوبة من العصاة و المذنبين .. ولذلك وجه الله عز و جل أمره بالتوبة .. الى جميع عباده المؤمنين .. فقال تبارك و تعالى .. وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ .. لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ .. وجاء نداء حبيبنا المصطفى صلى الله عليه وسلم .. الى الناس كافة .. يَا أَيُّهَا النَّاسُ .. تُوبُوا إِلَى اللَّهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ .. فَإِنِّى أَتُوبُ إِلَى اللَّهِ وَأَسْتَغْفِرُهُ كُلَّ يَوْمٍ مِائَةَ مَرَّةٍ .. فتوبة الطائعين .. أصدق من توبة العاصين .. لأن توبة العصاة مسوفة .. سوف اتوب ..سوف يهديني ربي .. ان شاء الله أتوب .. و توبة أهل الطاعة .. اذا أحسوا بارتكاب الذنب .. تضرعوا تائبين .. إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا .. إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ.. تَذَكَّرُوا .. فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ .. في لحظة الالتقاء بالذنب .. تذكروا عقاب الله ، وأبصروا الحق .. فعملوا به، وتحصنوا بطاعة الله .. فاذا هم تائبون .. والله جل جلاله ..هو التواب الرحيم .. ونحن عباده .. وخلقه .. وكلنا ذو اخطاء ..والخطأ من طبيعة البشر .. قال حبيبنا صلى الله عليه وسلم .. كُلُّ ابْنِ آدَمَ خَطَّاءٌ .. وَخَيْرُ الْخَطَّائِينَ التَّوَّابُونَ .. ان الله جل و علا .. تاب على اول خطاء .. تاب على جدنا آدم عليه السلام .. آدم .. الذي نسي فعصى .. يوم ان أدخله الله الجنه .. وأعطاه كل شي .. لا يضمأ فيها و لا يضحى .. ولا يجوع فيها و لا يعرى .. ولا يتعب فيها و لا يشقى .. ولا يمرض فيها و لا يفنى .. وهب له كل ما في الجنة .. ونهاه عن أمر واحد .. يقول الله جل جلاله .. وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ.. وَكُلَا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا .. وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ .. فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ .. وأخذ آدم الامر من ربه .. وجاءه الشيطان يخنس .. جاء يوسوس .. وأخذ يزين .. ويقسم أنه من الناصحين .. وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ .. ودخل على قلب آدم من جانب الحرص .. وحب البقاء .. و الخلود ..وقال لآدم و حواء .. مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا , عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ .. إِلَّا أَنْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ .. أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ .. فأكل آدم من الشجرة .. وخالف أمر ربه .. و عصاه .. فتجلى عليه رب العزه .. جل جلاله .. فهرب آدم .. وتوارى بين أشجار الجنه .. فناداه الله جل و علا .. يا آدم .. افرار مني .. قال لا ياربي .. انما هو حياء منك .. فماذا فعل التواب .. هل رمى ادم في النار .. هل قال له انك لا تصلح لتنفيذ امري .. لا.. التواب علّم آدم كيف يتوب .. قال له يا آدم .. تلقى مني هذه الكلمات .. احفظها ..و توجه بها اليّ .. قل لي ..لا إله الا انت ..سبحانك اللهم و بحمدك .. ظلمت نفسي ..و عملت سوءا .. فتب عليّ ..انك أنت التواب الرحيم .. وقالها آدم .. فتاب الله عليه .. وفي ذلك يقول رب العزه .. تبارك و تعالى .. فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ .. إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ .. في ليلة المعراج .. قال سيد الخلق حبيب هذه الامه .. صلى الله عليه وسلم ..رأيت مكتوبا على ساق العرش.. رحمتي سبقت غضبي .. فليس الاصل عند الله أن يعذب ..لا .. انما الاصل عند الله أن يرحم .. والاصل عند الله ان يعفو ..وأن يغفر .. و يتوب .. و المعذب عند الله .. هو من أصر على المعصية .. و مات عليها .. أما التائب .. فهو بفضل من الله مغفور له .. فالانسان لا يقول ذنوبي عظيمة .. و حياتي كلها معاصي .. وهذا قدري في الحياة .. وكيف لي بالتوبة ..وقد كثرت ذنوبي .. في بعض الحالات .. الانسان في مرض الموت .. يقال له صلّ .. يقول مر العمر كله من غير صلاة .. أفاصلي الان .. نعم .. صلّ .. واسمع الى قول المولى عز و جل .. وَإِنِّي لَغَفَّارٌ .. لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى .. وهو القائل جل جلاله .. وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ .. وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ .. صل ..لا تقل فات الاوان .. .. فمن رسول الله تأتيك البشارة .. قال حبيبنا صلى الله عليه وسلم .. إِنَّ اللَّهَ يَقْبَلُ تَوْبَةَ الْعَبْدِ مَا لَمْ يُغَرْغِرْ ، والغرغرة هي بلوغ الرُّوح إلى الحلقوم ، و يا تارك الصلاة .. تب الى الله .. أقبل على بيوت الله .. أقبل على الطهارة و النقاء .. و يا شارب الخمر .. كفاك روائح كريهة .. كفاك فقدان العقل و الذاكرة .. تعال الى النسائم العطرة .. تعالى الى النظافة.. وطمانينة الحياة .. وأنت أيها المذنب .. يا من تغرق في المعاصي .. ما بلغت ما بلغ قارون .. إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِنْ قَوْمِ مُوسَى فَبَغَى عَلَيْهِمْ.. كفر بانعم الله .. ظلم و اعتدى و استكبر .. و انكر وجود الله .. وقال عن المال الذي أعطاه له الله .. إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي .. هذا القارون .. دعا عليه موسى عليه السلام .. فأوحى الله يا موسى .. أمرت الارض أن تطيعك فامرها .. فقال موسى .. يا أرض خذيه .. فأخذت الارض قارون حتى غيبت قدميه .. بدأ يغوص في الارض .. و موسى امامه ..وهو يتوسل و يستغيث بموسى .. يا موسى أغثني .. وما زال موسى يقول يا ارض خذيه ..و ما زال قارون يغوص في الارض .. و يترجى موسى .. حتى غاب في غيابات الارض .. يقول الله جل جلاله ..فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ .. فَمَا كَانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ .. وَمَا كَانَ مِنَ الْمُنْتَصِرِينَ .. فاوحى الله لموسى .. يا موسى ..و عزتي وجلالي .. لو توسل لي و رجاني .. لوجدني عنده .. انه التواب .. لمن استغفر و وتاب .. اللهم اجعلنا من عبادك التائبين ..واكتبنا من المتضرعين المستغفرين .. وقربنا الى مرضاتك و عفوك المبين .. أقول قولي هذا

الخطبة الثانية
الله يفرح .. نعم .. الله يفرح .. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .. اللَّهُ أَفْرَحُ بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ .. مِنْ أَحَدِكُمْ سَقَطَ عَلَى بَعِيرِهِ وَقَدْ أَضَلَّهُ فِي أَرْضِ فَلَاةٍ ..هذا رجل مسافر في الصحراء ..يركب بعيرا..يحمل عليه طعامه و شرابه ..في الصحراء ..نزل ليتناول بعض الطعام .. ثم اراد بعض الراحة .. فاناخ بعيره ..و نام بجانبه .. فلما استيقظ لم يجد بعيره .. ضاع البعير .. وعليه المأكل و المشرب .. والصحراء شاسعة .. اخذ الرجل يبحث يمينا و شمالا .. حتى أعياه البحث و لم يجد شيئا ..و من شدة الاعياء و العطش .. نام .. فلما استيقظ وجد بعيره عند راسه ..وجد حياته عنده .. ففرح فرحا شديدا .. كذلك الله .. يفرح أشد الفرح عندما يعود اليه عبده تائبا .. متطهرا .. راجيا العفو و المغفرة ... و التوبة الى الله .. لها ثلاث شروط ..وهي الندم ، و الإقلاع عن الذنب ، و العزْم على عدم العودة للذنب .. وان كان الذنب متعلقا بانسان .. وجب على التائب أن يصلح ما أفسد ..و ان يسترضي ذلك الانسان .. يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم .. مَنْ كَانَتْ عِنْدَهُ مَظْلَمَةٌ لأَخِيهِ.. فَلْيَتَحَلَّلْهُ مِنْهَا ، مِنْ قَبْلِ أَنْ يُؤْخَذَ لأَخِيهِ مِنْ حَسَنَاتِهِ ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ حَسَنَاتٌ أُخِذَ مِنْ سَيِّئَاتِ أَخِيهِ ، فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ .. و التوبة الى الله .. يحبها الله ..ويحب صاحبها .. يقول عز و جل .. إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ .. و ما اجمل التوبة الى الله ..و ما أحلى التوبة الى الله .. فيها هناء القلب .. و سعادة الروح .. يقابلها رب غفار ..تواب على من تاب .. ..يقول الله جل جلاله في حديثه القدسي .. يا ابن آدم ، إِنَّكَ ما دَعَوْتَني ورَجَوْتَني : غفرتُ لك على ما كانَ مِنكَ ولا أُبالِي ، يا ابنَ آدمَ ، لو بلغتْ ذُنُوبُكَ عَنَانَ السماءِ ، ثم استَغْفَرتَني : غَفَرْتُ لك ، ولا أُبالي ، يا ابنَ آدم إِنَّكَ لو أتيتني بِقُرابِ الأرض خَطَايا ، ثم لَقِيتَني لا تُشْرِكُ بي شيئا : لأَتَيْتُكَ بِقُرابِها مَغْفِرَة .. اللهم اجعلنا من عبادك التوابين .. واغفر لنا ذنوبنا واكتبنا مع الطائعين .. واهدنا لما به أمرتنا واجعلنا من التائبين .. اللهـم اجعل خير أيامنا يوما لا نعصيك فيه .. و خير أوقاتنا وقتا نفوز برضاك فيه .. اللهم ألهمنا رشدنا .. وافتح بصائرنا .. و ايقظ ضمائرنا .. وردنا الى دينك ردا جميلا .. اللهم أصلح ذات بيننا..و ألف بين قلوبنا..واهدنا سراطك المستقيم ..واجمعنا تحت راية هذا الدين .. بفضلك و رحمتك يا أرحم الراحمين .. يا خالق الخلق أجمعين ..يا أنيس الصالحين .. يا جليس الذاكرين ..يا مجيب السائلين ..نسألك اللهم عزة و رفعة للإسلام و المسلمين.. وذلا و خذلانا لكل من يعادي هذا الدين .. وحفظا وأمانا لبلادنا و سائر بلاد المسلمين ..وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين \ عباد الله إن الله يأمر بالعدل والاحسان