آيـة الكرسـي

الحمد لله الذي اكرمنا بالقران .. وجعله ربيعا لقلوب أهل الايمان .. أشهد أن لا اله الا الله ..وحده لا شريك له .. أتمّ علينا نعمة الاحسان .. فمنحنا بفضله هداية القرآن .. وأشهد أن سيدنا و حبيب قلوبنا محمدا عبده و رسوله..دلنا على شرائع هذا الدين.. وحبب إلينا كتاب الله , بالشرح والتبيين.. اللهم صل وسلم عليه في الأولين و الآخرين.. وارض اللهم على آله الطاهرين..و على صحابته الغر الميامين..وعلى من تبعهم بإيمان و حسن يقين..
أما بعد.. إخوة الإيمان و العقيدة
طبيب في كل بيت .. اختصاصاته لا تحصى و لا تعد .. يداوي العليل ..و يشرح صدر المهموم .. هو صفاء للحياة ..و هدوء للنفس .. وطمأنينة للقلب .. و سعة للارزاق .. انه كلام الله .. في كتاب الله .. انه القرآن الكريم ..يقول صاحب الكاتب .. عز وجل .. إِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ .. لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِه ..ِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ .. ومن هذا الكتاب العزيز .. تجمعنا في هذا اللقاء البهيج آيتان ..في كل خطبة آية .. وآية الخطبة الاولى .. آية كريمة المنشأ ..عظيمة المبنى .. معجزة المعنى .. قال عنها رسول الله صلى الله عليه و سلم .. هي اعظم آية في القرآن ..و في قول آخر .. قال هي سيدة آي القرآن .. هذه الاية الكريمة .. هي آية الكرسي .. اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ , لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ , لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ , مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ , يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ , وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ , وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ , وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ .. الله .. اسم خاص بخالق الخلق جل جلاله .. وهي كلمة جامعة لكل صفات الالوهية .. من أجل ذلك لا يجوز لمخلوق ان يتسمى باسم الخالق .. لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ .. معناه يا ابن آدم .. لا يجوز لك ان تعبد الا الله .. الحي .. بلا بداية .. و الحي .. بلا نهاية .. الْقَيُّومُ .. القائم على ملكه .. المتصرف في الكائنات .. لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ.. لا يعتريه نعاس ..و لا يمتلكه نوم .. فهو لا يغفل عن خلقه .. لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ .. مالك الاكوان ورب كل شي.. مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ .. فلا شفيع يوم القيامة الا من بعد اذنه .. يعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ،أي يعلمُ ما سبقَ ،ويعلم الحاضر ويعلم المستقبلَ، يعلمُ ما كان .. و يعلم ما هو كائن .. و يعلم ما سيكون .. وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَاءَ .. فلا يعلم عباده علما ..و لا ينشئون مخترعا جديدا .. ولا مكتشفا حديثا .. الا بما كتب الله .. الا بالقدر الذي يريده الله .. وبقضائه و قدره .. وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ .. ما وصل اليه الانسان اليوم .. من مشاهدات في الفضاء الخارجي .. و ما أرسل من مركبات .. تسير بالسنوات بسرعة عجيبة ..كل تلك المشاهدات ..لم يصل الانسان الى أسفل سقف السماء الدنيا .. في ليلة المعراج ..طرق جبريل باب السماء الاولى .. قال له حارس السماء من ؟ قال جبريل .. قال هل معك أحد .. قال نعم .. معي محمد .. قال اوبعث له .. قال نعم .. عندها فتحج لهما باب السماء يقول الله جل جلاله .. وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ .. وكرسي المولى جل جلاله .. احتوى على السماوات السبع و جميع الارض .. قال أبو ذر الغفاري ،: دخلت المسجد الحرام ، فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وحده , فجلست إليه ، فقلت : يا رسول الله أي آية نزلت عليك أفضل ؟ قال : آية الكرسي ، وما السماوات السبع في الكرسي إلا كحلقة في أرض فلاة .. وَلَا يَؤودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ .. و لا يصعب عليه حفظ ملكه.. و الحفاظ عليه ..وهو العلي ..و هو القوي ..وهو العلي العظيم .. هذه الاية العظيمة .. كـنوزهي بين ايدينا ..و قليل جدا من يستعملها.. قالت السيدة عائشه رضي الله عنها .. أن رجلًا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فشكا إليه.. أن ما في بيته ممحوق من البركة .. فقال له النبي: أين أنت من آية الكرسي؟ ما تليت على طعام ..إلا أنمى الله بركة ذلك الطعام .. هذه الاية الكريمة .. يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم .. من قرأها إذا أصبح أجير من الشياطين حتى يمسي، وإذا قرأها إذا أمسى أجير من الشياطين حتى يصبح .. و في حديث اخر .. قال صلى الله عليه وسلم إذا أوَيتَ إلى فراشِك فاقرأْ آيةَ الكُرسيِّ، فلن يزال عليك من الله حافظٌ، ولا يقربُك شيطانٌ حتى تصبحَ .. أما عن فضل قراءتها بعد الصلاة ..فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم .. مَنْ قَرَأَ آيَةَ الْكُرْسِيِّ .. بَعْدَ كُلِّ صَلَاةٍ مَكْتُوبَةٍ .. لَمْ يَمْنَعْهُ مِنْ دُخُولِ الْجَنَّةِ إلَّا الْمَوْتُ .. وهي حافظة للانسان باذن ربها في كل ليل وفي كل نهار .. يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم .. مَن قرَأ آيةَ الكُرْسيِّ.. بَعْدَ الصَّلاةِ المكتوبةِ ..كان في ذِمَّةِ اللهِ إلى الصَّلاةِ الأخرى .. وصلاة المسلم لربه ليلا و نهارا .. فاذا قرأها بتفكر وتدبر.. كان في حفظ الله كل حياته .. فيا أيها المؤمنون ..الكل يحفظ آية الكرسي ..وهي حافظة من كل سوء باذن الله ..و القليل من يستعملها لحفظه وحفظ عياله و ماله .. وها أني قد ذكرتكم بها .. فالزموها ..و اجعلوها حافظة مباركة .. تجمعكم بربكم .. تعينكم على حسن عبادته .. فتكونوا من الطائعين.. اللهم اكتبنا من أهل آية الكرسي .. و اجعلنا من الطائعين .. واكتب لنا بها الفوز و الفلاح يوم الدين .. أقول قولي هذا

الخطبة الثانية

لقاؤنا الثاني .. يجمعنا باذن الله .. مع آية عظيمة من كتاب الله .. وكل كتاب الله ايات بينات معجزات عظيمات .. هذه الايه قال في حقها الصحابي عبدالله بن مسعود رضي الله عنه .. مَا فِي الْقُرْآن آيَة.. أَجْمَع لِلحَلَالٍ وَالحَرَام.. وَالأَمْر وَالنَهْي .. مِنْ هَذِهِ الْآيَة .. وهي قول الله جل جلاله .. إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ , وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى، وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ .. يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ .. هذه الاية المباركة ..جمعت أصول الشريعة، فأمرت بثلاثة أمور، لا يصلح شأن الإنسان إلا بها، وهي: العدل، والإحسان، وإيتاء ذي القربى ،ونهت عن ثلاثة أمور، لا يصلح شأن الدنيا إلا بالابتعاد عنها ،وهي: الفحشاء، والمنكر، والبغي ،وبهذه الأوامر الثلاثة ،والنواهي الثلاثة ،تستقيم حياة الناس في الدنيا، ويفوزون بالنعيم في الآخرة .. فالعدل الذي أمر الله به في هذه الآية : يشمل العدل في حق الله .. والعدل في حق النفس .. و العدل في حق عباده .. العدل في حق الله .. باتباع ما فرضه الله في كتابه، وعلى لسان رسوله ، والعدل في حق النفس ..هو أن يحمل الانسان نفسه على طاعة الله ,و العدل في حق العباد ما أوجبه الله من حسن تعامل مع الناس في المخاطبة و البيع و الشراء ..و سائر التعاملات .. فلا يبخس لهم حقا .. ولا يغشهم و لا يخدعهم و لا يظلمهم .. والإحسان الذي أمر الله به .. فضيلة .. كنفع الناس بالمال والبدن والعلم ، ويبلغ الاحسان الى الحيوان و النبات و غيرها .. وايتاء ذي القربى .. أي إعطاء جميع الأقرباء حقهم من الصلة والبر.. وحسن المعاملة .. ثم جاء النهي الرباني .. فنهى الله عن الفحشاء والمنكر و البغي .. والفحشاء .. هي كل ما عظم قبحه من الاقوال و الافعال .. و المنكر هو كل ما أنكره الدين..و نهى عن فعله .. اجتنابا للذنوب و الاثام .. و اما البغي ..فهو الظلم و التجبر و الاعتداء .. ولذلك شمل النهي جميع كبائر الاثم .. كالشرك بالله، وقتل النفس بغير حق، وعقوق الوالدين، وقطيعة الأرحام ،وهتك الأعراض، ومعاقرة الخمر، ولعب الميسر، والرشوة، وشهادة الزور، وظلم العباد، والربا، وأكل أموال الناس بالباطل،و غيرها .. ثم ختم الله هذه ىالاية العظيمة بقوله تبارك و تعالى .. يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ .. أي: ينصحكم .. ويذكركم ..و ينبهكم بما أمركم به ، ونهاكم عنه.. لعلكم تتذكرون ..فتفوزون دنيا و أخرى ..
ولمكانة هذه الاية و علو قدرها ..جعلها الائمة الخطباء من علماء الامة .. خاتمة بليغة لخطبهم .. يقول العلامة الشيخ محمد الطاهر بن عاشور .. رحمه الله رحمة واسعة .. يقول في كتابه التحرير و التنوير .. وقد اهتدى الخليفة عمر بن عبد العزيز رحمه الله إلى ما جمعته هذه الآية من معاني الخير فلما استخلف سنة 99 كتب يأمر الخطباء بتلاوة هذه الآية في الخطبة يوم الجمعة .. ومن زمانه الى زماننا ..والاية الكريمة تتلى على مسامع المصلين.. في ختام خطبة الجمعة .. تحثهم على الخير و تنهاهم عن الشر .. اللهم اهدنا فيمن هديت..و عافنا فيمن عافيت..و تولنا فيمن توليت..و بارك لنا فيما أعطيت.. واصرف عنا شر ما قضيت.. اللهم نور بالإيمان قلوبنا.. و عمر بالقرآن صدورنا..واحي سنة نبيك في بيوتنا.. واجعلنا من عبادك الأبرار..واحفظنا بما تحفظ به الأخيار.. اللهم اجعلنا نخشاك كأننا نراك.. و أسعدنا بتقواك.. اللهم اغفر لنا ما كان في السر و العلن..و عافنا من المعاصي ما ظهر منها و ما بطن..و احفظنا و أهلنا و بلدنا من الآفات و الفتن.. واسترنا بحفظك من الأمراض و المحن.. اللهم اغفر لآبائنا و أمهاتنا.. و أحيائنا و أمواتنا..واكتبنا من الصالحين.. اللهم أغثنا ولا تجعلنا من القانطين.. اللهم واسقنا من بركات السماء.. سقيا رحمة لا سقيا بلاء.. اللهم أغثنا ولا تجعلنا من القانطين..برحمتك يا ارحم الراحمين.. يا أكرم الأكرمين..يا خالق الخلق أجمعين .. يا أنيس الصالحين.. يا جليس الذاكرين.. يا مجيب السائلين.. نسألك الله عزة و رفعة للإسلام و المسلمين..و ذلا وخذلانا لمن يحارب هذا الدين.. وامانا واطمئنانا لبلادنا وسائر بلاد المسلمين .. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين /
عـباد الله إن الله يأمر بالعدل والاحسان