الـنــــذ ر

الحمد لله الذي شرع شرائع الاسلام .. وجعل للنذر القواعد والاحكام ..أشهد ان لا إله الا الله .. وحده لا شريك له .. أحب من عباده من اطاعه و اتقاه ..وعمل بشرعه واتبع هداه ..و اشهد ان سيدنا و حبيبنا محمدا رسول الله .. وحبيبه و رضيه و مصطفاه .. أول الطائعين .. و سيد العابدين .. اللهم صل عليه في الاولين و الاخرين .. وارض اللهم على آله الأكرمين الأطهرين.. و على صحابته السادة الغر الميامين ..و على التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين
أما بعد.. إخوة الايمان و العقيدة..
النذر, هو التزام الانسان.. بعمل لم يلزمه به الشرع .. فيوجب على نفسه شيئا لم يكن واجبا عليه .. كأن يقول ..ان عدت من السفر سالما اصوم ثلاثة ايام .. هذا هو النذر .. و النذر عبادة قديمة .. تقرب بها الانبياء و الصالحون .. فزوجة عمران .. واسمها حَنَّة ، كانت امرأة عاقرا، فرأت يوما طائرًا يطعم فرخه، فتمنت الولد، ودعت الله ، عز وجل، أن يهبها ولدا، نذرته محررا ..أي خالصا متفرغا لعبادة الله ..وخدمة المعبد .. يقول الله تبارك و تعالى في ذلك .. إِذْ قَالَتِ امْرَأَتُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا.. فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ .. فتقبل الله منها ..واستجاب لها .. ويكون النذربالصوم .. كما نذرت مريم ابنة عمران ..لما وضعت سيدنا عيسى عليه السلام .. ناداها من تحتها .. قال لها .. فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا.. و نبي الله زكرياء يوم بشر بولده يحي ..وهو شيخ كبير .. وامراته عاقر .. قَالَ رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً .. قَالَ آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَ لَيَالٍ سَوِيًّا .. و ينقسم النذر الى أربعة أنواع .. نذر في طاعة الله و نذر في معصية ..و نذر في مكروه و نذر في مباح .. النذر في طاعة الله .. نوعان .. مطلق ..وهو افضل انواع النذر كقوله ..علي ليلة العيد صلاة عشر ركعات .. و نوع مقيد كقوله .. ان شفيت من مرضي أصوم عشرة ايام .. فهذان النوعان يجب الوفاء بنذرهما .. لقول الله تبارك و تعالى وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ .. و لقول حبيبنا صلى الله عليه وسلم مَنْ نَذَرَ أَنْ يُطِيعَ اللَّهَ فَلْيُطِعْهُ ، فان تكاسل المسلم عن تنفيذ نذره .. نذر ان يتصدق و لم يفعل ..كتبه الله مع المنافقين .. قال الله جل جلاله .. وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ .. لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ .. وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ .. فَلَمَّا آتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ.. بَخِلُوا بِهِ .. وَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ .. فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ ..بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ .. وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ .. و مع هذا الوعيد .. وجب على المخلف وعده .. كفارة يمين .. وهي إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ .. أَوْ كِسْوَتُهُمْ .. فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ .. و المنذور في الطاعة .. ان كان مما يؤكل .. كمن نذر أن يتصدق بشاة..لا ياكل الناذر منها ..لا هو و لا عائلته و لا اصوله و لا فروعه .. فانه يذبح الشاة و يوزعها خالصة للفقراء و المساكين ..الا اذا ذكر عائلته عند النذر .. كان قال علي ذبح شاة ..ناكل منها و نطعم الفقراء .. فيصح له ان يأكل منها ..هذا نذر الطاعة .. و النوع الثاني من النذر .. نذر المعصية .. و هو نذر حرام .. كالنذر لغير الله .. النذر للأولياء .. أي تخصيص المنذور لعبد من عباد الله .. هذا لا يجوز .. وهو حرام .. و الحلال في ذلك أن ينوي بالذبيحة طاعة الله ..و ان يعتقد جازما أن لا نافع الا الله ..وان وجهته لله وحده .. فيذبحها نذرا خالصا لوجه الله .. أما لغير الله .. فكل ما ينذر حرام ..و نوع اخر من نذر المعصية كان قال ان ربحت تجارتي اقمت سهرة خمر .. فهذا النذر يحرم الاتيان به لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم . وَمَنْ نَذَرَ أَنْ يَعْصِيَ الله .. فَلاَ يَعْصِهِ .. وكذلك من النذر المعصية .. نذر ما لا يملك .. أورد الامام الطبراني في المعجم الكبير ..أنَّ أنَاسًا مِنَ الْمُشْرِكِينَ أَغَاروا عَلَى نَاحِيَةِ الْمَدِينَةِ، فَأَصَابُوا ناقة رسول الله ،صلى الله عليه وسلم .. وَأَصَابُوا معها امْرَأَةً ، فَذَهَبُوا بِهَا إِلَى رِحَالِهِمْ، وفي اخر الليل .. وهم نيام ..ركبت المرأة الناقة وانطلقت بِهَا، وتفطن لها الْقَوْمُ، فَرَكِبُوا فِي طَلَبِهَا، فَنَذَرَتْ وَهِيَ مُنْطَلِقَةٌ وَهِم فِي أَثَرِهَا .. إِنِ أَنْجَاهَا اللَّهُ .. أَنْ تَنْحَرَالناقة، فَنَجَتْ المرأة ، فَلَمَّا قَدِمَتِ الْمَدِينَةَ .. قالوا للنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، هَذِهِ نَاقَتُكَ جَاءَتْ بِهَا فُلانَةُ ..نَجَّاهَا اللَّهُ عَلَيْهَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ، وجيء للنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْمَرْأَةِ وَالنَّاقَةِ فَسَأَلَهَا:"كَيْفَ صَنَعْتِ؟"فَأَخْبَرَتْهُ ، ثم قَالَتْ: وَنَذَرَتُ وَهُمْ فِي طَلَبِي أَنْ أَنْحَرَهَا، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:"بِئْسَ مَا جَازَيْتِهَا إِذًا.. ثم قال ..لا وَفَاءَ لِنَذْرٍ فِي مَعْصِيَةٍ .. وَلا فِيمَا لا يَمْلِكُ ابْنُ آدَمَ .. و كذلك من النذر الحرام .. نذر صيام يوم العيد ..او نذر صلاة من غير وضوء.. هذه نذور محرمة لا يجوز الوفاء بها ..
و النوع الثالث من النذر .. هو النذر المكروه .. كنذر ما لا يطيق الانسان .. كأن يقول نذرت صيام الدهر .. او نذرت قيام كامل ليالي العام.. أو نذرت التصدق بمالي كله .. و الله جل جلاله يقول .. فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ .. لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا .. وقد روت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها .. أن رجلا .. من بلد بعيد .. أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : إن أختي نذرت أن تمشي إلى البيت .. أن تحج ماشية .. فقال له الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم مر أختك أن تركب ، إن الله عز وجل غني , عن تعذيب أختك لنفسها .. و النوع الرابع من النذر .. هو النذر المباح .. كأن يقول على نذر أن أشرب أو ان آكل أو اركب .. أو أن أنام .. فهذا نذر لا شيء عليه .. ولذلك فان رسول الله صلى الله عليه وسلم ..كان يخطب يوم الجمعة .. فرأى رجلا قَائِمًا فِى الشَّمْسِ فَقَالَ مَا شَأْنُ هَذَا .. فَقَالُوا نَذَرَ أَنْ لاَ يَتَكَلَّمَ وَلاَ يَسْتَظِلَّ مِنَ الشَّمْسِ وَلاَ يَجْلِسَ وَيَصُومَ يومه. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مُرُوهُ فَلْيَتَكَلَّمْ وَلْيَسْتَظِلَّ وَلْيَجْلِسْ وَلْيُتِمَّ صِيَامَهُ .. فنهاه عما نذر من المباح .. و امره بنذر الطاعة .. اللهم اهدنا للعمل بشرعك المتين .. ووفقنا للتمسك بهدي سيد المرسلين.. واكتبنا من اهل التقوى و أهل اليقين ..
أقول قولي هذا

الخطبة الثانية

الغالب في حياة الناس .. في زماننا .. و الاكثر استعمالا .. هو نذر الطاعة .. كنذر بصلاة نافلة .. أو بصيام .. أو بصدقة .. أو بحج .. فواجب على المسلم ان يوفي بنذره .. على الوجه الذي نذر به .. لقول الله تبارك و تعالى .. يُوفُونَ بِالنَّذْرِ.. فان حل موعد النذر سارع الى تطبيق ما نذر به .. وهذا من الأبرار.. الذين مدحهم الله جل جلاله ..في الكثير من آيات كتابه العزيز.. كقوله تبارك وتعالى .. إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ .. اما الذي
متى حل وقت النذر بخل .. أو ندم .. و لم يف بنذره .. يكون آثما قد فعل حراما .. وعليه كفارة يمين ..اطعام عشرة مساكين او كسوتهم .. فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ .. و ليتب الى الله .. و لا يعوّد لسانه على النذر .. و قد يحدث للناذر النسيان .. فينسى بماذا نذر .. فانه يحاول أن يتذكر .. فان غلب عليه النسيان .. كفر عن ذلك بكفارة يمين ..و اما الذي عجز عن الوفاء بنذره .. كان قال لئن شفاني ربي لأصومن شهرا و شفاه الله .. لكنه عجز لكبر أو لأمراض أخرى .. و لم يستطع الصيام .. فعليه كفارة يمين ولا اثم عليه .. اللهـــم اجعلنا من أهل طاعتك و حسن عبادتك .. اللهم حسن أخلاقنا.. و عمم وفاقنا .. اللهم اجعلنا من عبادك المخلصين .. وألهمنا العمل بشرائع هذا الدين.. اللهم أصلح حال قلوبنا.. و اهدنا للتمسك بهديك المبين .. و اجـعلنا من عبادك الطائعين.. اللهم وفقنا للتنافس في الخيرات..وقو عزائمنا في الطاعات .. وطهرنا من جميع السيئات .. وارحم لنا الاباء و الامهات ..واصلح لنا الازواج والبنين و البنات .. بفضلك ورحمتك يا رفيع الدرجات .. يا عظيم البركات .. يا بديع الكائنات .. يا مجيب الدعوات ..ندعوك و نسالك اللهم عزة و رفعة للإسلام و المسلمين .. و ذلا و خذلانا لكل من يعادي هذا الدين ..وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين \ عباد الله
ان الله يأمر بالعدل والاحسان