البـيــــع

الحمد لله الذي أحل البيع و الشراء .. وحرم التحايل و الغش والغلاء .. أشهد ان لا اله الا الله ..وحده لا شريك له .. أعطى الفطرة حقها في الخلق و الإنعام , وجعل لها في الحلال , ما يغنيها عن الحرام ، وأشهد أن سيدنا وحبيبنا محمدا عبده و رسوله ..بيّن الشريعة للأنام,, وسلك بالمؤمنين طريق الحلال و منهج الوئام ..اللهم صل عليه و على آله البررة الكرام ..وعلى أصحابه الائمة الآعلام .. وعلى التابعين لهم بإحسان على مدى الآيام
أما بعد .. اخوة الايمان و العقيدة
الْمَالُ وَالْبَنُونَ , زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا .. وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ.. خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا .. وَخَيْرٌ أَمَلًا .. سعي الانسان في الحياة .. دافعه كسب المال .. و من أجل المال ..يكدح الانسان في شتى الاعمال .. و لعل من أهمها .. المال المكتسب من التجارة .. وفي الزمن البهي .. لما ارتفعت الامة و ازدهرت .. جعلوا للتاجر شرط التدين ..فلا يمتهن التجارة .. الا من كان متدينا .. ولا يتعامل مع الناس الا من كان تقيا .. يقول الفاروق عمر بن الخطاب .. رضي الله عنه .. لَا يَبِعْ فِي سُوقِنَا .. إِلَّا لِمَنْ تَـفَـقَّهَ فِي الدِّينِ .. لأن العارف بالدين, عارف بالحلال و الحرام .. و الله جل جلال .. لما ذكر التعامل بالمال .. توجه بندائه لأهل الايمان .. لم يقل أيها الناس .. انما كان قوله تبارك و تعالى .. يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ .. إِلاَّ أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ .. التاجر المؤمن .. التاجر الصادق التقي ..مدحه رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله .. التاجر الصدوق .. مع النبيين والصديقين والشهداء .. لأنه كما يحافظ على صلاته و صيامه .. وسائر عباداته ..فإنه يجتهد في حسن تعامله مع الناس في تجارته ..لأن أساس التجارة في الاسلام .. التعامل بالحلال .. فيكون مأكله حلالا .. و مشربه حلالا .. و ملبسه حلالا .. و كل ما يربحه حلالا .. و البركة تتنزل من الله .. فليس من الاسلام .. أن يغش التاجر .. أبدا .. ما كان التاجر في الاسلام غشاشا .. و رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول : مَنْ غَشَّنَا فَلَيْسَ مِنَّا، وَالْمَكْرُ وَالْخِدَاعُ فِي النَّار .. دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم الى السوق .. فَمَرَّ عَلَى صُبْرَةٍ مِنْ طَعَامٍ.. فَأَدْخَلَ يَدَهُ فِيهَا .. فَنَالَتْ أَصَابِعُهُ بَلَلاً .. فَقَالَ مَا هَذَا يَا صَاحِبَ الطَّعَامِ .. قَالَ : أَصَابَتْهُ السَّمَاءُ يَا رَسُولَ اللَّهِ .. قَالَ أَفَلاَ جَعَلْتَهُ فَوْقَ الطَّعَامِ حَتَّى يَرَاهُ النَّاسُ .. مَنْ غَشَّ فَلَيْسَ مِنِّي .. الغشاش تبرأ منه رسول الله .. صلى الله عليه وسلم .. و ليس من الاسلام أن يحتكر التاجر ..و ان يزيد في الاسعار .. ليزداد ربحه .. و رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول .. من احتكر على المسلمين طعامهم ابتلاه الله .. و لا يدري الانسان من أين يأتيه البلاء .. بسبب احتكاره ..واخفائه لأقوات الناس.. يقول حبيب هذه الامه .. صلى الله عليه وسلم .. مَنْ دَخَلَ فِى شَىْءٍ مِنْ أَسْعَارِ الْمُسْلِمِينَ .. لِيُغْلِيَهُ عَلَيْهِمْ .. كَانَ حَقًّا عَلَى اللَّهِ .. أَنْ يَقْذِفَهُ فِى مُعْظَمٍ مِنَ النَّارِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ .. و الذي يزيد في غلاء بضاعته و يصعّب على الناس معيشتهم..وصفه رسول الله صلى الله عليه و سلم .. بالنهم .. الذي ياكل و لا يشبع .. قال عليه الصلاة و السلام .. مَنْ أَخَذَ مَالًا بِغَيْرِ حَقِّهِ، فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الَّذِي يَأْكُلُ وَلَا يَشْبَعُ .. و الكذب في التجارة حرام .. و معصية لله و رسوله .. حين يحلف التاجر كاذبا .. يظن أنه يزيد في مبيعاته .. و يكثر من مرابيحه ..و يغفل عن بركة الله .. ويغفل عن غضب الله .. يغفل عن المال الذي كسبه من حرام .. أنه مضرة له لا نفع فيه .. فالمكسب الحرام لا يعلم الانسان من أن يدور عليه .. الشيخ أبو المعالي .. امام الحرم .. رحمه الله رحمة واسعة .. كان اذا خطب تلعثم .. واحتبس في حلقه الكلام .. فعاتبه بعض اصحابه المقربين .. فقال لهم اني اعلم سبب ذلك الاحتباس .. قال لهم كان ابي رجلا صالحا يعلّم الناس .. وكان حريصا على الحلال حرصه على الايمان .. وكان يمنع أمي .. أن يرضعني من دونها أحد .. فيقول لها .. انت منبتك حلال ..و مأكلك حلال و مشربك حلال .. ولا تدري ما يأكل الناس .. فلا تتركي الولد لغيرك أبدا .. يقول غابت عني امي يوما داخل البيت .. فبكيت بكاء شديدا .. فجاءت جارية لجيراننا .. أي امرأة مملوكة ..فارضعتني .. فما زلت أرضع حتى جاء والدي .. فلما رآها فزع .. وأخذني منها .. وقال لها انت مملوكة لجيراننا ..و ما استأذناهم في أخذ اللبن منك .. فذهبت الجارية .. ودخل بي أبي الى البيت .. ثم أدخل اصبعه في حلقي .. حتى أفرغ ما في بطني .. فاني أرى أن هذا التلعثم الذي يصيبني اثناء الكلام .. الا من تلك الرضعة .. على هذا المنهج ربى عمالقة الحلال أبناءهم .. ليكبروا على الحلال .. فالمال الحرام ..لا يعود الا بالخسران .. و مهما كانت ارباح التجارة .. فإن خالطها الغش و التحايل و الاحتكار .. و البيع المشروط .. تحولت الارباح الى خسارة .. خسارة في الدين والبدن ..
..يقول الله تبارك و تعالى , فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ .. وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ .. و يقول حبيب هذه الامه , صلى الله عليه وسلم .. الْيَمِينُ الْكَاذِبَةُ .. مَنْفَقَةٌ لِلسِّلْعَةِ , مَمْحَقَةٌ لِلْكَسْبِ .. وهو الذي حذر التجار من كثرة الحلف فقال .. إِيَّاكُمْ وَكَثْرَةَ الْحَلِفِ فِي الْبَيْعِ .. فَإِنَّهُ يُنَفِّقُ السلعة ثُمَّ يَمْحَقُ الكسب .. يكون الكسب حلالا طاهرا ..فاذا خالطه المال الحرام .. صار كله حراما ..مالا نجسا خبيثا .. و الله جل جلاله يقول قُل لَّا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ ..وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ.. فَاتَّقُوا اللَّهَ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ .. اللهـم ألهمنا العمل الحلال .. و وفقنا الى القول الحلال .. واكتب لنا الرزق الحلال..واجعلنا من عبادك الصالحين

أقول قولي هذا

الخطبة الثانية

التاجر في الاسلام .. حامل أمانه .. صادق الحديث .. حي الضمير .. ترفعه التقوى الى المعاملة بالحسنى .. مدحه رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله .. إِنَّ أَطْيَبَ الْكَسْبِ كَسْبُ التُّجَّارِ.. الَّذِينَ إِذَا حَدَّثُوا لَمْ يَكْذِبُوا ، وَإِذَا ائْتُمِنُوا لَمْ يَخُونُوا ، وَإِذَا وَعَدُوا لَمْ يُخْلِفُوا ، وَإِذَا اشْتَرُوا لَمْ يَذِمُّوا ، وَإِذَا بَاعُوا لَمْ يُطْرُوا .. لم يمدحوا بضاعتهم بما ليس فيها .. هؤلاء التجار ..لما انتشروا شرقا و غربا .. دخل الناس في دين الله بمئات الملايين .. وازدهر حال الامة ..فكانت كما وصفها الله جل جلاله .. كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ .. اللهـم اكتب لنا الحلال في جميع أمرنا .. وجنبنا كل حرام.. و جنب الحرام ما رزقتنا.... اللهم اغننا بحلالك عن حرامك، وبطاعتك عن معصيتك .. و بفضلك عمن سواك.. اللهم اغفر لنا ما كان فى السر والعلن..وعافنا اللهم من المعاصى ما ظهر منها وما بطن..واحفظ أهلنا وبلدنا من جميع الفتن .. اللهم لا تدع لنا في مقامنا هذا ذنبًا إلا غفرته.. ولا عيباً إلاسترته.. ولا مريضًا إلا شفيته.. ولا ميتًا إلا رحمته.. ولا دعاءً إلا استجبته.. برحمتك يا أرحم الراحمين.. يا خالق الخلق أجمعين .. يا أنيس الصالحين ..يا جليس الذاكرين ..يا مجيب السائلين .. نسألك اللهم عزة للإسلام و المسلمين ..و ذلا لكل من يعادي هذا الدين .. وعودة بالمؤمنين الى الحق واليقين .. و طمأنينة و رخاء لبلادنا و سائر بلاد المسلمين .. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين \
عباد الله
ان الله يأمر بالعدل والاحسان