رأس السـنــة

الحمد لله الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً , لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا .. أشهد ان لا إله الا الله .. وحده لا شريك له .. جَعَلَ فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا, وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجًا وَقَمَرًا مُنِيرًا.. و أشهد ان سيدنا و حبيبنا محمدا عبده و رسوله .. المبعوث للعالمين شَاهِدًا , وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا .. وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا.. اللهم صل و سلم عليه في العالمين ..وارض اللهم على آله الاكرمين الأطهرين ..و على صحابته الغر الميامين ..و على من تبعهم بحسن يقين ..وعنا معهم باحسان الى يوم الدين
أما بعد إخوة الايمان والعقيدة
تصادفنا في كل عام ..مناسبة آخر العام .. وهي على وجهين .. وجه غير جائز .. يُحَذّرُ المسلمُ من الوقوع فيه.. ووجه جائز.. يمكن للمسلم التعامل معه .. الغير جائز .. أن نجعل من ليلة راس السنة عيدا .. نحتفل به .. أن تقام الحفلات ..و تتنوع السهرات .. و تضاء المحلات .. و تصنف أنواع المأكولات و المشروبات ..هذا غير جائز.. لأن لهذه المناسبة أهلها .. أهل المسيح ..اختاروا التقويم الشمسي لحساب عامهم ..واختاروا ميلاد نبيبهم عيسى عليه السلام .. بداية لرأس عامهم .. فلا يجوز لغيرهم مماراتهم .. يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم .. لَيْسَ مِنَّا مَنْ تَشَبَّهَ بِغَيْرِنَا .. لاَ تَشَبَّهُوا بِالْيَهُودِ وَلاَ بِالنَّصَارَى .. هذا واضح .. و هذا ناتج عن ضعف الامة .. و انقيادها لمن هو أقوى منها .. فاتبعت عاداتهم ..و توالت عليها الاعوام .. حتى صارت عاداتهم من عاداتها .. وأصبح المسلمون يحيون مناسبات غيرهم , عن قصد وعن غير قصد .. فاختار كثير من دول الاسلام.. الاعتماد على التقويم الشمسي .. واعتمدته الامة تقويما اداريا .. تحتسب به الشهور و الاعياد .. و تركت ما اختاره الله لها ..في قوله تبارك و تعالى .. إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ.. يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ .. مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ .. ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ .. ذلك الاعتماد الصحيح .. لأن عدة الشهور من عند الله ..وهو الذي خلق الايام و الشهور و الاعوام .. واختار أوائل هذه الامة ..هجرة الرسول , صلى الله عليه وسلم .. بداية لعامهم .. وخلف من بعدهم خلف .. أضاعوا الطريق .. فتركت الامة شهورها .. و اتبعت شهور غيرها .. و ما دامت على شهور غيرها .. فانها تتقيد بمناسباتهم .. أحبت أم كرهت .. قصدت أو لم تقصد .. لانها تابعة .. فرطت في سيادتها .. واتبعت منهج غيرها .. يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم .. لَتَتَّبِعُنَّ سُنَنَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ، شِبْرًا بِشِبْرٍ، وَذِرَاعًا بِذِرَاعٍ، حَتَّى لَوْ دَخَلُوا جُحْرَ ضَبٍّ لاتَّبَعْتُمُوهُمْ"، قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى؟ قَالَ:"فَمَنْ إِلا الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى ..لما بدأت شريعة الاسلام ..و جاء الدين القيم .. نبه الله جل و علا رسوله صلى الله عليه وسلم ..عن اتباع غير الوحي , و غير الشريعة المنزلة .. بقوله جل جلاله .. ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ .. فَاتَّبِعْهَا.. وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ .. بناء لشخصية الامة ..و تشييدا لرفعتها .. و دوام عزتها .. وقبل انتقال النبي صلى الله عليه وسلم .. الى الرفيق الاعلى .. أوصانا بالتزام هذا الدين .. و التمسك بالشرع المتين .. فقال صلى الله عليه وسلم .. خَلَّفْتُ فِيكُمْ شَيْئَيْنِ .. لَنْ تَضِلُّوا بَعْدَهُمَا أبَدًا.. كِتَابَ اللَّهِ وَسُنَّتِى .. وَلَنْ يَتَفَرَّقَا حَتَّى يَرِدَا عَلَىَّ الْحَوْضَ .. و سارت الامة قرونا على المنهج .. فـشيدت حضارة .. تشهد لها الدنيا الى يومنا هذا ..أنها أعظم الحضارات .. و بنيت عليها كل الحضارات .. ساعة هارون الرشيد ..التي أرسلها هدية لملك فرنسا .. ظن الملك و علماء البلاط .. أن الشياطين يحركون عقاربها .. فامر الملك بكسرها ..فكسرها ..ولما لم يجد الشياطين .. أرسل الى أمهر المهندسين في الغرب ..و أمرهم أن يعيدوها كما كانت .. فما استطاعوا ..نصحوه أن يعيدها الى هارون الرشيد ..مع الاعتذار له عن كسرها ..فخجل ملك فرنسا ..وقال لهم اني أستحيي أن أقول له : أني كسرت هديتك لأكتشف ما بداخلها .. أما ملك انجلترا .. فقد علم بتقدم المسلمين في العلوم و المهارات .. فارسل الى ملك الاندلس .. رسالة .. هذا أولها .. من ملك انجلترا الى الخليفة ملك المسلمين في مملكة الاندلس ..صاحب العظمة هشام الثالث .. بعد التعظيم و التوقير .. فقد سمعنا عن الرقي العظيم .. الذي تتمتع بفيضه الصافي .. معاهد العلم و الصناعات في بلادكم العامرة .. فاردنا لأبنائنا اقتباس نماذج هذه الفضائل.. لتكون بداية حسنة في اقتفاء أثركم .. و ختم رسالته بقوله .. من خادمكم المطيع ملك انجلترا .. هذا غيض من فيض ..و قطر من سيل .. و قليل قليل ..من كثير كثير .. لما تمسكت الامة بدينها ..و حافظت على عاداتها و تقاليدها .. فلما ابتعدت عن دينها .. و دب فيها الخلاف و الاختلاف .. تخلفت .. و ضعفت .. و تداعت عليها الامم .. فأعطتها من قشور عاداتها .. ليتقلد بها أبناؤها .. في ملبسهم ..و حلاقة رؤسهم .. و علاقاتهم بمدرسيهم .. و تعاملهم مع والديهم .. ضعفت الامه .. واقتبس افرادها من عادات غيرهم ..ما حسبوه عادة لهم .. ونسوا أعيادهم و مناسباتهم .. عيدان في الاسلام لا ثالث لهما .. عيد الفطر و عيد الاضحى .. فهل رايتم ايها المؤمنون .. من يحتفل منا بعيد الفطر أو عيد الاضحى .. الا ما رحم ربي .. هل شاهدتم من يصلى ركعات بعد العشاء ..احتفاء بمقدم العيد .. هل صادفكم من يجلس مع اهله في حلقة ذكر.. احتفالا بليلة العيد .. هل رايتم من يقرأ القرآن استقبالا لليلة العيد .. تمر بنا ليلة عيد الفطر و ليلةعيد الاضحى .. ليلتان يتيمتان فقيرتان .. تمران خفية لا اهتمام لاهلهما بهما .. اللهم لقد ضاعت الامه, فارشدها لسبيلك المبين .. اللهم عودة باهل هذا الدين لهذا الدين ..وارزقهم التوجه اليك و حسن اليقين ..واجمعهم على هديك و شرعك المتين /
أقول قولي هذا

الخطبة الثانية

الجائز في ليلة رأس السنة ..أن يقف المسلم وقفة المتأمل ..وقفة المتدبر ..فيجعل من تلك الليلة .. ليلة محاسبة للنفس .. يتذكر .. كيف انقضى العام بهذه السرعة .. عام ينقص من العمر .. و يقرّب من لحظة السفر ..كيف قضّاه .. هل عبد الله كما أمر الله .. هل أقام الصلاة ..؟ أم أداها ساهيا لاهيا..هل أقامها كما أمر الله..أم صلاها غافلا ناسيا.. هل كانت وقفاته أمام خالقه.. حافزا له ,على حسن تعامله مع الناس.. هل بعد الصلاة.. نطق صدقا.. وأخلص عملا.. ونصح من حوله.. و فعل خيرا.. هل بعد الصلاة.. غض بصرا.. وأقفل عن الحرام سمعا .. هل نهته صلاته عن القيل و القال.. والغيبة و التحدث بأحوال الناس .. هل علمته الصلاة أن يأكل حلالا.. وأن يشرب حلالا.. وأن يلبس حلالا .. وأن يعمل حلالا .. وهو المعني بنداء الله .. يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ.. وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ.. وَاتَّقُوا اللَّهَ ..إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ .. نعم .. هل حملته تقواه .. الى مرضاة الله .. هل قضى عامه في طاعة الله .. أم كان من الغافلين .. و الله جل جلاله ..حذر عباده .. فقال عز وجل . وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ .. فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ .. فهذا وقت التفكر و التدبر ..وهذا موعد الوقفة ..وهذا هو الجائز في ليلة راس السنة .. وهذا هو المطلوب في ليلة راس العام .. أن يجعل المسلم من نهاية هذا العام ..نهاية للمعاصي .. نهاية للغفلة عن ذكر الله .. وليجعل من عامه الجديد .. عام صلح مع الله ..عام صدق و خير و طاعة لله .. اللهـم اجعلنا من عبادك الطائعين .. واهدنا للعمل بشرائع هذا الدين..واكتبنا من المخلصين لك الدين.. واهدنا لحسن التعامل و حسن اليقين .. اللهم هب لنا إنابة المخلصين.. وخشوع المخبتين.. و أعمال الصالحين..ويقين الصادقين..و سعادة المتقين..و درجات الفائزين..اللهم اغفر لآبائنا وأمهاتنا..وأحيائنا وأمواتنا..و طيب أوقاتنا..و يسر أقواتنا..و سهل معيشتنا..و احفظ بلدنا من كل سوء..واجعل رحمتك تراحما بيننا.. اللهم اجعل سنتنا الجديدة سنة الايمان و الاسلام .. واحفظنا فيها من كل الامراض و الاسقام ..و طهّرنا فيها من جميع السيئات..و نجنا فيها من الأهوال و الآفات..و بلغنا فيها أقصى الغايات..يا رفيع الدرجات..يا عظيم البركات..يا ولي الحسنات.. يا بديع الكائنات.. يا مجيب الدعوات..نسألك اللهم بعزتك عزة للإسلام و المسلمين.. وذلا و خذلانا لكل من يعادي هذا الدين .. واجعل اللهم بلدنا آمنا مطمئنا وسائر بلاد المسلمين ..وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين \
عباد الله ان الله يأمر بالعدل و الإحسان