مـداخل الشيطان

الحمد لله الذي خلق الانسان في احسن تقويم .. و خصه بالانعام و التكريم ..و حذره من مكائد الشيطان الرجيم .. أشهد ان لا اله الا الله .. وحده لا شريك له .. أنار طريق الهدى بشرعه المتين ..و بين للمؤمنين ..عدوهم و كيده المبين .. و أشهد ان سيدنا و حبيبنا محمدا عبده و رسوله .. إمام المتقين .. و اول الطائعين و الخاشعين .. اللهم صل و سلم عليه في الاولين و الاخرين .. وارض اللهم على آله و أصحابه الميامين ..و على من تبعهم بحسن يقين .. وعنا معهم باحسان إلى يوم الدين
أما بعد إخوة الايمان و العقيدة
خلق الله خلقه على ثلاثة أصناف .. ملائكة من نور ..و جان من نار ..وبشر من تراب .. الملائكة .. أجسام نورانية .. عباد مكرمون .. يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَا يَفْتُرُونَ .. عباد طائعون .. لاَ يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ, وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ .. وهم اصناف ..منهم حملة العرش .. و منهم الكرام الكاتبون .. ومنهم المكلفون بالجنة و منهم المكلفون بالنار ..و غيرهم كثير .. وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ .. و الصنف الثاني الجان .. وهم أجسام من نار .. يقول الله جل جلاله .. وَخَلَقَ الْجَانَّ مِن مَّارِجٍ مِّن نَّارٍ .. فيهم أهل الخير و الصلاح و منهم أهل الشر و الفساد ..تحدثوا عنهم في كتاب الله فقالوا .. وَأَنَّا مِنَّا الصَّالِحُونَ وَمِنَّا دُونَ ذَلِكَ كُنَّا طَرَائِقَ قِدَدًا .. و فسروا ذلك بقولهم .. وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ وَمِنَّا الْقَاسِطُونَ .. فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُولَئِكَ تَحَرَّوْا رَشَدًا .. وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَبًا .. و الصنف الثالث .. الانسان .. وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ إِذَا أَنْتُمْ بَشَرٌ تَنْتَشِرُونَ .. فنحن آخر الاصناف خلقا .. يقول الله عز و جل .. وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ .. وَالْجَانَّ خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ مِنْ نَارِ السَّمُومِ .. وعند خلقنا .. أمر الله ملائكته أن يسجدوا لجدنا آدم , سجود تحية .. إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ طِينٍ .. فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي , فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ .. فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ .. إِلَّا إِبْلِيسَ اسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ .. قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْعَالِينَ .. قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ.فكما ان الانسان من نسل آدم..وآدم من تراب .. فان نسل ابليس هم الشياطين .. وابليس أوله كان ملكا من الملائكة .. لكنه مخلوق من نار .. من فصيلة الجان .. يقول الله جل وعلا.. إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ.. فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ,جاء في كتاب معالم التنزيل للإمام البغوي قوله.. وفي الجن مسلمون وكافرون ، و يحيـون و يموتون ، وأما الشياطين; فليس منهم مسلمون ، ويموتون إذا مات إبليس .. وإبليس هو آخر من يموت من الجن و الانس .. يقول الله جل جلاله .. قَالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ .. قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ .. إِلَى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ .. قَالَ رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ .. إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ و بدأت العداوة من إبليس لادم و ذريته .. و توعدنا أمام خالقنا .. و أقسم بعزة الله على أن يهلكنا .. قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ .. إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ .. و هذا حال ابليس و شياطينه.. من تلك اللحظة الى يومنا هذا .. فكيف نكون من عباد الله المخلصين .. كيف نتغلب على الشياطين .. و بماذا نتحصن منهم ..
أول مراتب الخلاص و النجاة من الشياطين .. أن نكون من الطائعين .. فكل قول و كل عمل .. يعرضه المسلم أولا على ميزان الطاعة .. فان قبله الميزان فعله .. وان رفضه الميزان ابتعد عنه .. هذا الذي تحتاجه الامة .. ميزان الطاعة .. وهو طريق نجاتها و نجاحها .. ثاني مراتب الخلاص ..أن يعرف المسلم من اين يتسرب اليه الشيطان .. أن يعلم المدخل الرئيسي للشيطان .. ألا وهي نفس الانسان .. فاذا اردنا سلامتها .. جعلنا لها حارسا أمينا .. يخافه الشيطان و لا يقربه .. هذا الحارس الامين .. هو تقوى الله .. فتقوى الله .. ترفع الانسان عن المعاصي .. تمنع شرور الوساوس .. و توقظ النفس من غفلتها .. لأن الشيطان لا يجبر النفس على فعل المنكرات .. إنما هو يوسوس للنفس .. و يزيّن الحرام .. و يصبر, ولا يمل ابدا .. يغيب لبعض الوقت .. لكنه يعود .. يخلق المبررات ..و يسهل الممرات .. فهو لا يعرف الملل .. لكنه امام التقوى القائمه .. التقوى الثابتة الصامده .. ينكسر جريه .. و يخيب سعيه .. يقول الله تبارك و تعالى إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا , إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ .. تَذَكَّرُوا , فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ .. فاول مراتب الاخلاص ..أن نكون من الطائعين .. و ثاني مراتب الاخلاص أن نكون من الذاكرين .. يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم .. بسم الله حصن المؤمن .. و تدريب اللسان عليها واجب كل مسلم .. بسم الله في كل وقت و حين .. بسم الله حصن الله المتين .. جاء في كتاب عُدّة الصابرين و ذخيرة الشاكرين ..لابن القيم رحمه الله .. أن شيطاناً لقي شيطاناً , فقال: مالي أراك هزيلا فقال: انني مع رجل, ان أكل ذكر اسم الله ,فلا آكل معه، وان شرب ذكر اسم الله ,فلا أشرب معه، وان دخل بيته ذكر اسم الله ,فأبيت خارج الدار.. فقال الآخر: لكنني مع رجل ان اكل لم يسم الله فأكل أنا وهو جميعاً، وإن شرب لم يسم الله فأشرب معه، وان دخل داره لم يسم الله فأدخل معه، وان أوى الى فراشه .. أويت معه ./. فحصن الله الحصين هي كلمة بسم الله .. لو تعود عليها الناس .. لذهب الباس .. وانفرجت هموم الناس .. يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم ..إِذَا خَرَجَ الرَّجُلُ مِنْ بَيْتِهِ فَقَالَ بِسْمِ اللَّهِ تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ لاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِاللَّهِ ». تقول له الملائكة .. هُدِيتَ وَكُفِيتَ وَوُقِيتَ فَتَتَنَحَّى عنه الشَّيَاطِينُ .. فَيَقُولُ شَيْطَانٌ لآخَرُ كَيْفَ لَكَ بِرَجُلٍ قَدْ هُدِىَ وَكُفِىَ وَوُقِىَ .. فلازموا أيها المؤمنون ذكر الله .. و اتقوا الله حق تقاته ..فالفوز و النجاة في الدنيا و الاخرة في رحاب الله .. جعلني الله و اياكم ممن ذكر فتذكر .. وغفر لي و لكم ما تقدم من ذنوبنا و ما تأخر .. واعاذني و اياكم من الشيطان و ما وسوس و دبّر ..
أقول قولي هذا

الخطبة الثانية

جاء في تفسير قول الله تبارك و تعالى .. كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلْإِنْسَانِ اكْفُرْ.. فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ .. إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ .. أن ثلاثة اخوة ..استعدوا لسفر طويل ..و كانت لهم أخت .. فقالوا لا نامن على أختنا الا عند عابد في جهتهم .. فحملوها اليه .. قالوا للعابد ..نبقيها عندك في صومعتك ..فلا نأمن عليها عند غيرك .. فرفض العابد ذلك .. و توسلوا اليه فلم يقبل .. قالوا له نبني لها بيتا قرب صومعتك ..تكون تحت رعايتك ..فلم يقبل بادئ الامر ..و لكن مع اصرارهم و توسلهم و الحاحهم قبل .. فبنوا لها بيتا بجانب صومعته .. تركوها فيه و سافروا .. فكان الراهب يأخذ لها الطعام كل يوم .. و يتركه أمام بيتها.. فيدق الباب و يصعد الى صومعته .. بعد أيام جاءه الشيطان .. يوسوس له .. قال له أنت عابد لله .. تقي نقي .. ما ضرك لو حملت اليها الطعام ..وانتظرتها حتى تخرج .. لأن تركك للطعام وحده ..ربما ياتي بعدك ثعبان ..فيسمم الطعام .. فقال العابد في نفسه لا شيء في ذلك .. فأخذ الطعام و انتظرها حتى خرجت ..فسلمها الطعام و صعد الى صومعته .. وبعد أيام ..عاد اليه الشيطان يوسوس .. قال له انك انت الزاهد التقي .. لماذا تقف أمام بيتها حتى تخرج .. والرياح هذه الايام عاصفة ..و الرمال في الهواء كثيفة .. لماذا لا تسلم لها الطعام داخل بيتها .. فقال في نفسه لا شيء في ذلك .. حمل اليها الطعام ..و سلمه لها في بيتها .. و بعد أيام رجع الشيطان اليها موسوسا .. قال له أنت التقي .. و انت الزاهد العابد .. وهي مسكينة وحدها .. منذ مدة طويلة لم تتكلم .. و لم يكلمها احد .. لماذا لا تكلمها .. لا تكلمها في الدنيا الفانية .. كلمها في الطاعة وفي التقوى .. وفي الصالحات .. قال في نفسه ..لا شيء في ذلك .. فحمل اليها الطعام .. وجلس امامها يحدثها عن العبادة و يوم القيامه .. وهي تاكل .. و بعد أيام ..جاءه الشيطان .. قال له كيف هي تاكل و انت تنظر .. لماذا لا تاكل معها .. و تحدثها عن الجنة و النار ..وهي التي لم يؤنسها احد .. قال لا شيء في ذلك .. فحمل طعامه و طعامها في اناء واحد ..و أكل معها ..فوقعت يده على يدها .. فزينها في قلبه ..و زينه في قلبها .. حتى اوقعه في الحرام .. وبعد اشهر .. قال له المرأة حبلى .. قد افتضح أمرك .. قال الراهب للشيطان دلني , فماذا أصنع .. قال له اقتلها .. وعندما يعود اخوتها .. قل لهم مرضت فماتت .. وسوف يصدقونك .. فقتلها .. و بعد مدة .. جاءه اخوتها .. فقال لهم اختكم مرضت فماتت ..و هذا قبرها .. فصدقوه ..وذهبوا الى سبيل حالهم .. ولكن الشيطان لم يتركهم .. جاءهم في المنام .. وقال لهم ان الراهب العابد الزاهد .. لم يصدقكم الحديث .. لقد قتل اختكم .. فعادوا الى الراهب ..و ذهب معهم الى قبرها .. وفتحوا القبر .. فوجدوها مذبوحة .. فأخذوه الى قريتهم ..و حكم القاضي عليه بالموت صلبا .. وهو مصلوب .. جاءه الشيطان .. قال له أتعلم من أنا .. انا الشيطان .. أنا الذي حدثتك منذ اللحظة الاولى .. انا الذي اغريتك .. انا الذي قربت يدك من يدها .. انا الذي امرتك بقتلها ..و انا الذي أخبرتهم بها .. و زينت للقاضي أمر صلبك .. وانا الذي استطيع أن انقذك مما انت فيه .. قال له الراهب .. انقذني .. قال بشرط ..وقال وما شرطك .. قال ان تكفر بالله و تسجد لي .. قال الراهب كيف اسجد لك و انا مصلوب .. قال الشيطان يرضيني منك اشارة براسك .. فأشار اليه براسه .. وسجد له ..و كفر بالله .. فولى الشيطان هاربا .. وذلك مصداق قول الله تبارك و تعالى .. كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلْإِنْسَانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ .. فَكَانَ عَاقِبَتَهُمَا أَنَّهُمَا فِي النَّارِ خَالِدَيْنِ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ .. فلنحذر مكائد الشيطان ..و لنحذر وساوسه و نصائحه ..ولنستعذ بالله منه .. و لنتخذه عدوا كما أمرنا الله ..في قوله جل جلاله .. إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا .. إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِير .. نفعني الله واياكم بأسرار كتابه..ورزقني وإياكم الوقوف مع آدابه .. وأجارني وإياكم من غضبه وأليم عقابه وحشرني و إياكم في زمرة نبيه محمد صلى الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه.. اللهم انا نعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ .. وَنعُوذُ بِكَ رَبِّ أَنْ يَحْضُرُونِ .. اللهم اغفر لنا ما كان فى السر والعلن .. وعافنا اللهم من المعاصى ما ظهرمنها وما بطن..واحفظ أهلنا وبلدنا من جميع الفتن .. اللهم اغفر لآبائنا و أمهاتنا.. وتجاوز عن سيئاتهم و سيئاتنا. .اللهم لا تدع لنا في مقامنا هذا ذنبًا إلا غفرته..ولا عيباً إلا سترته.ولا مريضًا إلا شفيته .. و لا ميتًا إلا رحمته.. ولا دعاءً إلا استجبته.. اللهم إن أرضنا في حاجة لغيثك العميم .. اللهم أغثنا ولا تجعلنا من القانتين .. اللهم أغثنا غيثا مباركا تحيي بها البلاد .. و تسقي به العباد .. اللهم أنزل علينا من بركات السماء .. يا أرحم الرحماء .. ياعظيم الرجاء .. يا كريم العطاء .. يا مجيب الدعاء .. ندعوك اللهم أن تعز هذا الدين , و أن ترفع راية الاسلام و المسلمين .. و أن تجمع شملنا على الحق و اليقين .. و أن تجعل بلدنا آمنا و سائر بلاد المسلمين .. و آخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين
عباد الله
ان الله يأمر بالعدل والاحسان