العدل بين الابناء

الحمد لله الذي جعل الابناء زينة للحياة .. وقرة عين للآباء والامهات .. أشهد ان لا اله الا الله ..وحده لا شريك له.. شرع من الأحكام .. ما تقوم عليه الأسرة على مدى الايام.. وأشهد أن سيدنا وحبيب قلوبنا و إمامنا و قدوتنا محمدا عبده و رسوله .. أرسى دعائم بيوت المسلمين .. على شرائع هذا الدين..فأرشد أمته لما فيه الخير و العز و التمكين ..اللهم صل عليه في الأولين و الآخرين.. وارض اللهم على آله و أصحابه الأكرمين..واجعلنا اللهم من أتباع نهجه المبين..واحشرنا تحت لوائه المتين..واجعله شفيعنا و قائدنا إلى جوارك الأمين..
أما بعد... أيها الإخوة في العقيدة

خلق الله خلقه بالعدل ..و لولا العدل .. لفسدت السماوات و الارض و من فيهن..و أمر الله خلقه بالعدل ..فقال جل جلاله .. إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ .. وحرّم الظلم ..فقال عز و جل في حديثه القدسي.. يَا عِبَادِي ، إِنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِي .. وَجَعَلْتُهُ بَيْنَكُمْ مُحَرَّمًا.. فَلا تَظَالَمُوا .. ولكي ينعم اهل الاسلام بحياتهم .. و يفوزوا بآخرتهم .. بنى الله دين الاسلام على العدل .. وحث المسلمين على العدل في كل أمورهم .. من ذلك العدل بين أبنائهم .. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم .. اعْدِلُوا بَيْنَ أَوْلاَدِكُمْ فِى العطية.. كَمَا تُحِبُّون أَنْ يَعْدِلُوا بَيْنَكُمْ فِى الْبِرِّ وَاللُّطْفِ .. الصحابي نعمان بن بشير .. قال نحلنى أبى نحلة .. ثم اتى بى الى النبي صلى الله عليه وسلم , يشهده .. فقال له ..هل لك ولد غيره ؟ قال : نعم ، قال : فهل آتيت كل واحد منهم ما آتيته .. قال : لا ، قال النبي صلى الله عليه وسلم : فلا تشهدني على هذا.. فإنه جور.. انه ظلم .. ثم قال اتَّقُوا اللهَ، وَاعْدِلُوا فِي أَوْلَادِكُمْ ، و عن انس بن مالك .. رضي الله تعالى عنه قال .. كان احد الصحابة جالسا مع النبي صلى الله عليه وسلم فَجَاءَ ابْنٌ لَهُ.. فَقَبَّلَهُ .. ثم أجلسَهُ في حِجْرِهِ .. وجاءتْ ابنةٌ لهُ.. فأخذها إلى جَنْبِهِ .. فقال له النبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ .. ألا عَدَلْتَ بينَهما .. هذا الحرص العظيم .. من النبي الكريم ..على العدل بين الابناء .. ناتج عن حرصه الشديد على بناء الاسرة المسلمة .. على أسس التراحم و الوئام .. ليحفظ البر للآباء .. و يضمن الوفاق و المحبة بين الابناء .. فعدم العدل بين الابناء .. ينتج عند من حُرم منهم .. الى العقوق .. يقول أبي ظلمني .. وابي فضل ابنه عني .. فيكره أباه .. و يبتعد عنه .. و عدم العدل بين الابناء .. يغرس بينهم العداوة و الشحناء .. في حياة والدهم .. و يتقاسمون بعده التركة .. بالخصام و المحاكم .. وكذلك حال بعض الأمهات .. اذا كبرت ..أوصت بذهبها لابنتها او لبناتها دون الابناء .. وهذا لا يجوز شرعا.. فلا وصية لوارث .. فما ترك الاب او الام بعد مماتهما.. فهو لجميع الورثة .. كل حسب نصيبه الذي فرضه الله له .. كذلك لا يصح أن تلحق كل بنت باخيها .. لانها منفردة بمنابها.. فان أرادت أن تمنح نصيبها لاخيها ..لانه فقير ..او هي في غنى عن منابها .. فهي حرة في تصرفها.. فيا أيها الاباء ..اعدلوا في حياتكم ..فيما تعطونه لبعض أبنائكم .. فالمساواة بينهم في العطية .. تضمنوا برهم في حياتكم ..و تضمنوا اخوتهم و تالفهم بعد مماتكم .. و يا أيها الابناء .. لا يجوز لكم ابتعادكم عن والديكم .. بسبب تفضيل بعضكم عن بعض .. فان الله امر بالاحسان للوالدين فقال جل جلاله.. وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ .. وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا .. و لو كانا كافرين .. فقال عز وجل .. وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ.. فَلَا تُطِعْهُمَا .. وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا.. فلا تحاسبوا والديكم .. ولو أخطؤوا .. فاحسانكم اليهم واجب .. و بركم لآبائكم هو سر تلقيكم البر من ابنائكم .. اللهم اهدنا للعمل بشرعك المتين..ووفقنا للتمسك بهدي سيد المرسلين.. اللهم نور بدينك بيوت المسلمين..واهدنا طريق الحق و اليقين ..واكتب الوفاق بيننا إلى يوم الدين.. أقول قولي هذا


الخطبة الثانية : في قرآننا العظيم .. ضرب الله مثلا .. جعله آية للسائلين .. عندما يشعر الاولاد أن والدهم قد ميز بعضهم على بعض .. تعمل الكراهية عملها بينهم ..حتى يصل بهم الحال الى القتل او التخلص من المميز .. لَقَدْ كَانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آيَاتٌ لِلسَّائِلِينَ .. إِذْ قَالُوا لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ .. أَحَبُّ إِلَى أَبِينَا مِنَّا .. وَنَحْنُ عُصْبَةٌ .. إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ .. اقْتُلُوا يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضًا .. يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ .. وَتَكُونُوا مِنْ بَعْدِهِ قَوْمًا صَالِحِينَ .. قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ .. لَا تَقْتُلُوا يُوسُفَ .. وَأَلْقُوهُ فِي غَيَابَتِ الْجُبِّ ..يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ .. إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ .. شعور الاخوة .. بمحبة والدهم و تبجيله ليوسف .. جعلهم يتخلصون منه .. فالاية هنا و العبرة .. أن الوالد يجب عليه العدل بين أولاده.. ذكورا و اناثا و أن المحاباة و التمييز بدون موجب .. يفرق بين الاخوة .. و ينشر بينهم العداوة و الكراهية .. لكن .. هذا الدين العظيم .. هذا الدين الانساني .. أجاز عند الضروره .. للوالد أن يعطي من ماله لأحد أولاده دون اخوته .. في حالة الفقر و الاحتياج.. الولد صاحب عائلة و دخله متواضع .. فيجوز لوالده ان يخصه بجزء من ماله .. دون ان يعوض ذلك لاخوته .. كما يجوز للوالد ان يعطي من ماله لولده اذا تعرض هو او احد افراد عائلته لمرض وعجز عن دفع نفقات العلاج .. كما يجوز في نفقات الدراسة .. و غيرها .. و الذي نهى عنه رسول الله صلى الله عليه و سلم هو التمييز بدون موجب .. و هذا التمييز هو الذي يخلق العداوة بين الاخوة.. و يخلق العقوق مع الوالدين .. اللهم بارك لنا في أولادنا.. واهدهم لخير دنياهم و أخراهم .وحقق رجاءنا في استقامتهم و تقواهم..
اللهم وعمم وفاقنا.وطيب أوقاتنا.ورخص أقواتنا.وسهل معيشتنا ..وبارك لنا في زوجاتنا و ذرياتنا.. و اغفر لآبائنا و أمهاتنا ..واجعلنا واياهم برضوانك من الفائزين ... الْلّهُمَّ تَوْلَّنَاْ بِحِفْـظِكَ أَجْمَعِيْـنَ .. و استرنا بسترك المبين .. واجعلنا في كنفك وحفظك الى يوم الدين.. اللهم جنبنا وأهلنا و بلادنا الفتن .. و باعد بيننا و بين الأسقام و الأمراض و المحن.. .. اللهم وارحم الآباء و الأمهات ..و اهد لنا الأبناء و البنات.. وأصلح لنا حال الزوجات.. واجمع شملنا في أعلى الجنات.. يا فاطر الأرض و السماوات.. يا رفيع الدرجات..يا عظيم البركات..يا بديع الكائنات.. يا منزل البركات.. يا مجيب الدعوات.. نسألك اللهم عزة و رفعة للإسلام و المسلمين.. وذلا و خذلانا لكل من يعادي هذا الدين .. واجعل اللهم بلدنا آمنا و سائر بلاد المسلين ..و آخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين