ذو القرنـيـن

الحمد لله الذي شرع شرائع هذا الدين .. و نزّل القرآن هدى و رحمة للعالمين .. أشهد أن لا إله الا الله .. وحده لا شريك له .. قصّ في كتابه القصص, موعظة وعبرة للمؤمنين .. و أشهد ان سيدنا و حبيبنا محمدا عبده و رسوله .. خاتم الأنبياء و المرسلين..و الرحمة المهداة للخلق أجمعين.. اللهم صل عليه في الاولين و الاخرين .. وارض اللهم على آله الأكرمين الأطهرين.. و على صحابته الغر الميامين ..و على التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين
أما بعد.. إخوة الايمان و العقيدة..
لما بدأ الاسلام يظهر في مكة .. وصار له شأن .. وأصبح له أتباع .. اجتمع كفار قريش لتدارس أمر هذا الدين .. واتفقوا في هذا الإجتماع .. أن يرسلوا وفدا منهم الى يهود المدينة .. يسألونهم , عما جاء به رسول الله .. صلى الله عليه وسلم ..لأن اليهود أهل كتاب ..و عارفون بالانبياء .. وصل وفد قريش الى المدينة .. واتصلوا باحبار اليهود ..و حدثوهم عن النبي , و ما يدعو اليه .. وقالوا لهم .. إنّكُمْ أَهْلُ التّوْرَاةِ . وَقَدْ جِئْنَاكُمْ لِتُخْبِرُونَا عَنْ صَاحِبِنَا هَذَا .. .. وبعد تشاور و تدارس .. قال لهم اليهود .. سلوه ثلاث أسئلة ..سَلُوهُ عَنْ فِتْيَةٍ ذَهَبُوا فِي الدّهْرِ الاول .. ما كَانَ أَمْرُهُمْ .. وَسَلُوهُ عَنْ رَجُلٍ طَوّافٍ.. قَدْ بَلَغَ مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا .. مَا كَانَ نَبَؤُهُ ..وَسَلُوهُ عَنْ الرّوحِ مَا هِيَ ؟ فَإِنْ أَخْبَرَكُمْ بِذَلِكَ فَاتّبِعُوهُ فَإِنّهُ نَبِيّ . وَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ فَهُوَ رَجُلٌ مُتَقَوّلٌ . فَاصْنَعُوا فِي أَمْرِهِ مَا بَدَا لَكُمْ ..
وأَقْبَلَ الوفد .. حتى وقفوا, في مجلس زعماء قريش بمكة ..قالوا يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ ، قَدْ جِئْنَاكُمْ بِقول فَصْلِ .. فيمَا بَيْنِكُمْ وَبَيْنَ مُحَمّدٍ . قَدْ أَخْبَرَنَا أَحْبَارُ يَهُودَ .. أَنْ نَسْأَلَهُ عَنْ أَشْيَاءَ أَمَرُونَا بِهَا ، فَإِنْ أَخْبَرَكُمْ عَنْهَا فَهُوَ نَبِيّ ، وَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ فَالرّجُلُ مُتَقَوّلٌ .. فحكّموا فِيهِ رَأْيَكُمْ . وجَاءُوا رَسُولَ اللّهِ .. صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ .. قَالُوا يَا مُحَمّدُ .. أَخْبِرْنَا عَنْ فِتْيَةٍ ذَهَبُوا فِي الدّهْرِ الْأَوّلِ .. وَعَنْ رَجُلٍ كَانَ طَوّافًا قَدْ بَلَغَ مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا ، وَأَخْبِرْنَا عَنْ الرّوحِ مَا هِيَ ؟ فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللّهِ .. صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ .. أُخْبِرُكُمْ بِمَا سَأَلْتُمْ عَنْهُ غَدًا .. وَلَمْ يَسْتَثْنِ .. لم يقل ان شاء الله .. وانتظر رسول الله صلى الله عليه وسلم نزول جبريل .. عليه السلام ..و لم ينزل .. فَمَكَثَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ خَمْسَ عَشْرَةَ لَيْلَةً لَا يَأْتِيهِ جِبْرِيلُ .. حَتّى أَرْجَفَ أَهْلُ مَكّةَ و كثر حديثهم و تأويلهم.. وَحزن رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ .. حزنا شديدا .. وَشَقّ عَلَيْهِ مَا يَتَكَلّمُ بِهِ أَهْلُ مَكّةَ .. حتى جاءه الوحي ..و نزل جبريل عليه السلام .. بسورة الكهف .. وفيها عتاب من الله .. لأن الرسول صلى الله عليه وسلم ..حين قال للكفار .. أخبركم بما سالتم غدا .. لم يقل ان شاء الله .. فعاتبه الله جل جلاله بقوله .. وَلَا تَقُولَنّ لِشَيْءٍ إِنّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا .. إِلّا أَنْ يَشَاءَ اللّهُ .. وهو نهي لنا ..و لكل المسلمين .. فلا يقول المسلم سافعل ذلك غدا..دون ان يزيد ان شاء الله .. لأن الانسان ..لا يملك المستقبل و لا يعلم ما في الغيب .. فمن الادب مع الله ..لازم على المسلم أن يقرن فعله بمشيئة الله وقدرته .. فيقول سأفعل ذلك غدا ..ان شاء الله .. يعود بها لسانه .. حتى لا يغفل عنها ..ثم أخبر جبريل عليه السلام , حبيبنا صلى الله عليه وسلم .. بقول الله سبحانه وتعالى في الاسئلة الثلاثة.. أخبره عن الفتية في الزمن القديم .. و عن الرجل الطواف .. و عن الروح .. ولقاؤنا اليوم باذن الله .. مع الرجل الطواف .. يقول الله تبارك و تعالى .. وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ .. قُلْ سَأَتْلُو عَلَيْكُمْ مِنْهُ ذِكْرًا .. وذو القرنين .. ملك مسلم .. آتاه الله الاسباب .. فعمّر الارض مشرقها و مغربها.. قال المفسرون في تسميته بذي القرنين .. أنه بلغ قرن الارض شرقا..أي أقصاها شرقا ..وبلغ قرن الارض غربا ..أي أقصاها غربا .. فسمي بذي القرنين .. يقول الله جل جلاله .. إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الْأَرْضِ.. وَآتَيْنَاهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا .. فَأَتّبَعَ سَبَبًا ..أعطاه الله أسباب القوة ..فخضعت له الملوك و البلدان .. و أعطاه الله أسباب الحكم .. فعدل بين خلق الله .. و أعطه الله أسباب العلم و الحكمة .. فنشر دين الاسلام على امتداد ربوع الارض ..شرقا و غربا ..وأعطاه الله أسباب النمو ..فازدهرت الفلاحة و الصناعة و التجارة.. أينما حل.. ..و انطلق ذو القرنين الى جهة الغرب .. يتقدم جيوشه .. يزرع الارض خيرا .. حتى بلغ ساحل البحر.. وهو اقصى بلاد الغرب الافريقي .. يقول الله جل جلاله . حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ .. وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ .. أي بحر اسود ..و المحيط الاطلسي اليوم .. كانوا يسمونه في القديم .. بحر الظلمات .. لشدة عمقه و سواده .. عندما وصل ذو القرنين الى الساحل .. وجد بلادا مأهولة بسكانها .. لكنهم على الشرك .. فأقام فيهم داعيا الى دين الله .. فكان يكرم الذين يستجيبون لربهم و يؤمنون ..و يعامل الذين يستكبرون بعنف و شدة .. وفي ذلك يقول المولى عز و جل .. حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ .. وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ .. وَوَجَدَ عِنْدَهَا قَوْمًا .. قُلْنَا يَاذَا الْقَرْنَيْنِ ..إِمَّا أَنْ تُعَذِّبَ وَإِمَّا أَنْ تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْنًا.. قَالَ أَمَّا مَنْ ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ.. ثُمَّ يُرَدُّ إِلَى رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ عَذَابًا نُكْرًا .. وَأَمَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُ جَزَاءً الْحُسْنَى وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنَا يُسْرًا.. مكث في تلك البلاد .. حتى آمن أكثر أهلها .. فبث فيهم .. من علوم الحياة .. وحسن المعاملة ..و فعل الخير .. ما جعلهم في امان و رفاه .. وقفل راجعا بجيوشه متجها نحو الشرق .. يقول الله جل و علا .. ثُمَّ أَتّبَعَ سَبَبًا .. حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَطْلِعَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَطْلُعُ عَلَى قَوْمٍ لَمْ نَجْعَلْ لَهُمْ مِنْ دُونِهَا سِتْرًا .. مكان شديد الحراره .. وجد فيه قوما ليس لهم مساكن يأوون اليها ..و لا أشجار يستظلون بها .. و لا جبال يستترون بها ..وهم عراة .. يسكنون الاسراب ..وهي حفر مجوفة تحت الارض .. يستخفون بها اذا طلعت الشمس .. الى ما بعد الزوال ..فاذا خفت حرارتها .. خرجوا للصيد.. فكانت أكثر معيشتهم من السمك .. ثُمَّ اتّبَعَ سَبَبًا ..ثم واصل طريقا ثالث ..هو الى الشمال اقرب .. ومع الطريق الثالث .. نلتقي باذن الله .. بعد جلسة الاستراحة .. اللهم اكتبنا من عبادك المتقين.. و ألهمنا العمل بشرائع هذا الدين.. واهدنا بهديك للحق و اليقين .. أقول قولي هذا..


واصل ذو القرنين طريقه .. فوجد سلسلة عظيمة من الجبال .. تفصل بينها فتحة .. كالوادي .. و وجد عندها قوما .. يتكلمون لغة غير معروفه .. و لا يعرفون لغة غيرها ..حَتَّى إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ وَجَدَ مِنْ دُونِهِمَا قَوْمًا لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلًا .. لكن ذي القرنين .. بما آتاه الله من حكمة .. فهم لغتهم ..واستمع الى طلبهم .. قَالُوا يَاذَا الْقَرْنَيْنِ .. إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ .. قالوا له .. ان وراء هذه السلسلة من الجبال قوم مفسدون .. ينهبون زرعنا و مواشينا .. و يفسدون علينا معيشتنا .. قَالُوا يَاذَا الْقَرْنَيْنِ ..إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ .. فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا .. عَلَى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا .. وهنا يعلمنا الله .. الاعتماد على النفس ..لا تنتظر من ياتي حتى يبني لك ..أساس التقدم و الرقي ..أن تعتمد الشعوب على نفسها .. اليوم عندك المال ..لا تشتري به قمحا ..انما احرث ارضك ..و انبت قمحك .. كن منتجا في كل مجال ..ولا تكن مستهلكا.. ولذلك ..قال لهم ذو القرنين .. ما اعطاني ربي من فكر و عمل و قوة ..هو خير من أموالكم وعطاياكم.. قَالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ.. فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا .. أعينوني بالمثابرة و الكد .. و بذل الجهد .. وبالاخلاص في العمل .. بالطاعة لما آمركم به .. قال لهم اجمعوا ما عندكم من قطع الحديد .. وأخذ يبني بين الجبلين يضع قطع الحديد بعضها فوق بعض ..حتى بلغ الى مستوى قمة الجبلين .. قال أوقدوا عليه النار ..حتى احمر الحديد .. ثم أمرهم أن يصهروا النحاس .. فجاؤوه بالنحاس سائلا ..فافرغه فوق الحديد ..فدخل النحاس بين قطع الحديد وفوقها ..حتى صار كتلة واحدة .. وذلك في قول الله جل و علا .. آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ.. حَتَّى إِذَا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ.. قَالَ انْفُخُوا.. حَتَّى إِذَا جَعَلَهُ نَارًا.. قَالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا .. و تم البناء .. و جاء ياجوج و ماجوج .. ارادوا الصعود فما استطاعوا ..و أرادوا نقب السد فما استطاعوا.. يقول الله جل جلاله .. فَمَا اسْطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ .. وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا .. فما كان موقف ذي القرنين .. هل التفت الى الناس ..وقال هذا انجازي .. أتقنته بفكري و تدبيري .. لا .. علمهم و علم الدنيا .. التواضع لله ..أن التوفيق من الله ..كل انجاز بيد الله .. كل اتقان هو من الله ..قَالَ هَذَا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي .. فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّا .. وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا .. فمن العلامات الكبرى لقيام الساعة .. انهيار السد ..و خروج ياجوج و ما جوج .. يقول الله تبارك و تعالى حَتَّى إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ .. وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ .. اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا اتباعه..و أرنا الباطل باطلا وارزقنا اجتنابه.. اللهم قونا على إقامة أمرك .. وأذقنا حلاوة ذكرك.. و أوزعنا لأداء حمدك و شكرك..واحفظنا اللهم بحفظك و سترك.. اللهم اغفر لنا ما كان في السر والعلن..و عافنا من المعاصي ما ظهر منها و بطن .. و احفظنا و أهلنا و بلدنا من الفتن..واسترنا بحفظك من الأمراض والمحن .. اللهم لا تدع لنا في مقامنا هذا ذنبا الا غفرته .. ولا عيبا الا سترته ..ولا مريضا الا شفيته.. و لا مبتلا الا عافيته .. ولا ميتا الا رحمته.. برحمتك يا أرحم الراحمين.. يا خالق الخلق أجمعين..يا غافر الذنب عن المذنبين ..يا مجيب السائلين .. نسألك اللهم عزة و رفعة للإسلام و المسلمين.. و ذلا و خذلانا لكل من يعادي هذا الدين.. وحفظا وأمانا لبلادنا وسائر بلاد المسلمين.. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين..
عباد الله..ان الله يأمر بالعدل والاحسان