الغـيـبــة

الحمد لله الذي دل على الخير و شرَع.ْ. و نهى عن السوء و منعْ.. نحمده سبحانه وتعالى على نعمه التي لا تعد .. و نثني عليه شكرا على خيره الذي لا يحد .. و نشهد أن لا إله إلا الله .. وحده لا شريك له .. شرع لعباده فيسر .. و دعاهم لكل خير و أكثر .. و نشهد أن سيدنا و حبيبنا محمدا عبده و رسوله .. نبي الهدى .. وإمام أهل التقى .. و السيد السند الذي به يؤتم و يقتدى .. اللهم صل عليه وعلى آله وصحابته .. واجزه عنا خير ما جازيت نبيا عن أمته .. واحشرنا تحت لوائه في أعز زمرته .. واجعلنا اللهم من رواد حوضه وأهل شفاعته..
أما بعد .. إخوة الإيمان والعقيدة
أمل الناس .. و رجاؤهم .. و منتهى آمالهم و امنياتهم .. أن يعيشوا في الحياة الدنيا سعداء .. هانئين مطمئنين .. في رغد من العيش .. وأن يكونوا في يوم القيامة .. من الفائزين بجنات النعيم .. جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ ..وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ.. خَالِدِينَ فِيهَا .. وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ .. هذا هو الامل .. عيش في الحياة رغيد ..و فوز في الاخرة سعيد .. هذا الامل يبنى و يشيد .. فهو بناء .. يبنيه المسلم لبنة بعد لبنة .. لبناته متنوعة و كثيرة ..خلقها الله رحمة بخلقه.. فهي متوفرة .. يمكن للمسلم الاخذ منها في كل لحظة .. فالعيش الرغيد بناء الدنيا.. وجنة النعيم بناء الاخرة .. و اللبنات التي يبني بها المسلم ..هي الحسنات .. فأنت تعمل وتكسب المال .. و الحسنات تملأ الصفحات.. وأنت تغمر الاسرة مودة و رحمة ..و الحسنات تملأ الصفحات .. فمنذ ان يفتح الانسان عينيه في الصباح .. يتخلص من جميع ذنوبه .. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم .. من قال حين يستيقظ ..لا اله الا الله ..وحده لا شريك له .. له الملك وله الحمد بيده الخير ..وهو على كل شئ قدير.. غفرت له ذنوبه وان كانت مثل زبد البحر.. .. و في العبادة جبال من الحسنات .. أنت تتوضأ و الذنوب تزال من الصفحات يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم .. إذا توضأ المسلم خرجت ذنوبه من سمعه وبصره ويديه ورجليه.. نعم يا رسول الله .. فاذا أتم الوضوء .. هل من حسنات .. قال صلى الله عليه وسلم من قال إذا فرغ من وضوئه : سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك .. ختمت بخاتم ثم رفعت تحت العرش فلم تكسر إلى يوم القيامة..هذا الكنز.. يدخر له الى يوم القيامة .. ليوضع في ميزان حسناته..و أنت ذاهب الى الصلاة .. بشرنا الرسول صلى الله عليه وسلم بقوله .. ما من مؤمن يتوضأ .. فيحسن الوضوء .. ثم يخرج إلى المسجد .. إلا كتب الله له بكل خطوة يخطوها حسنة .. ورفعه بها درجة .. وحط عنه بها سيئة .. فاذا دخل المسجد .. صلى ركعتين ..مما يتنفل بهما المسلم .. قال في حقها صلى الله عليه و سلم .. من توضأ مثل وضوئي .. ثم قام فصلى ركعتين .. لا يحدث فيهما نفسه .. غفر له ما تقدم من ذنبه .. فاذا جلس المسلم ينتظر الصلاة .. ما هي البشارة يا رسول الله .. قال.. والملائكة يصلون على أحدكم.. ما دام في مجلسه الذي صلى فيه.. يقولون اللهم اغفر له.. اللهم ارحمه.. اللهم تب عليه.. ما لم يؤذ فيه .. وما لم يحدث .. أما يوم الجمعة ..فالحسنات و الاجور كالجبال ..يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم .. من غسل يوم الجمعة واغتسل .. وبكر وابتكر .. ومشى حتى دنا من الامام .. واستمع ولم يلغ .. كان له بكل خطوة أجر عمل سنة.. صيامها وقيامها .. كل هذه الخيرات ..و كل هذه الكنوز من الحسنات .. ينالها المسلم ..بين وضوء و حضور بالمسجد .. فما حاله اذا صلى الفريضة .. وما حاله في سائر العبادات من صيام و زكاة و حج .. ما حاله مع الذكر ..ما حاله مع الصدقة ..ما حاله مع الكلمة الطيبة .. ما حاله مع بر الوالدين ... ما حاله مع الصلاة على الحبيب ..كلها جبال من الحسنات ..و مغفرة للسيئات .. بكلمة واحدة .. تغفر جميع الذنوب ..و الكلمات بفضله وكرمه كثيرة ..منها ما بشر به الحبيب المصطفى ..صلى الله عليه وسلم .. اثناء الصلاة فقال عليه الصلاة و السلام .. إذا قال الإمامُ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ ، فقولوا آمين، فإنَّه مَن وافقَ قولُه قولَ الملائكة؛ غُفِرَ له ما تقدَّم من ذنبه .. فكلمة آمين يمحو الله بها ذنوب عمر كامل .. و بكلمة واحدة ..ينال المسلم كنزا من كنوز الجنة .. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم .. يَا عَبْدَالله بْنَ قَيْسٍ.. أَلاَ أَدُلُّكَ عَلَى كَنْزٍ مِنْ كُنُوزِ الجَنَّةِ .. قلْتُ: بَلَى يَا رَسُولَ الله.. قال قُلْ لاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِالله.. فانها كنز من كنوز الجنة .. و بجملة واحدة .. تتنزل من عند خالق الخلق ..جل و علا .. تحمل ما لا يعد و لا يحصى من الحسنات .. قال صلى الله عليه وسلم .. من صلى علي صلاة.. صلى الله عليه بها عشرا .. و الصلاة من الله .. كنوز من الرحمة والمغفرة و الرضوان .. لا يحصيها الا الله .. وخلاصة القول .. أن المسلم على خير كثير .. و أمام هذا الخير الكثير ..واجب عليه أمر واحد .. أن يحافظ على هذه الخيرات ..وأن يحفظ الجبال من الحسنات .. لا يتركها تعصف بها رياح المعاصي .. و تفسدها مفاسد المحرمات .. اللهم اهدنا لفعل الخيرات .. و وفقنا لجمع الحسنات .. و أعنا على هجر المنكرات .. أقول قولي هذا ...

الخطبة الثانية
ان الذي ينسف جبال الحسنات .. و لا يترك أثرا للخيرات .. ما يحصده اللسان من كلمات .. فربما يجمع المسلم جبالا من الحسنات .. و بكلمة واحدة .. تذوب الجبال و تذهب الحسنات .. يقول الله جل جلاله .. إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ .. وَ تَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ .. وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ .. فالكلمة ان كانت طيبة .. رفعت أهلها الى ارقى الدرجات .. و ان كانت سيئة نزلت بأهلها الى اسفل الدركات .. يقول رسول الله صلى الله عليه و سلم .. إِنَّ أَحَدَكُمْ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ رِضْوَانِ اللَّهِ.. مَا يَظُنُّ أَنْ تَبْلُغَ مَا بَلَغَتْ .. فَيَكْتُبُ اللَّهُ لَهُ بِهَا رِضْوَانَهُ إِلَى يَوْمِ يَلْقَاهُ.. وَإِنَّ أَحَدَكُمْ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ سَخَطِ اللَّهِ .. مَا يَظُنُّ أَنْ تَبْلُغَ مَا بَلَغَتْ .. فَيَكْتُبُ اللَّهُ عَلَيْهِ بِهَا سَخَطَهُ إِلَى يَوْمِ يَلْقَاهُ .. و من الكلمات التي حرمها الله .. و امرنا ألا نستعملها في حديثنا .. كلمة المسلم , في أخيه المسلم وهو غائب .. إنها الغيبة .. كلمة السوء ..الحرام الذي حرمه الله .. و تساهل في قولها الكثير.. و لا تحلو المجالس الا بتناولها .. قال الله تبارك و تعالى .. وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا .. أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ .. فكما تكره أن تاكل من لحم أخيك وهو ميت .. فالواجب المحتوم عليك أن لا تذكره الا بخير وهو حي .. فارادة الله في المؤمنين أن يكونوا اخوة .. رابطهم المودة و الرحمة .. وقف رسول الله صلى الله عليه و سلم يوما على صحابته .. قال أتدرون ما الغيبة ؟ قالوا : الله ورسوله أعلم .. قال ذكرك أخاك بما يكره ، قال احدهم : أفرأيت إن كان في أخي ما أقول ؟ قال إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته .. أي ذكرته في غيابه بما فيه من عيوب يحافظ على سترها و كتمانها .. و يسوؤه و يحزنه أن تذكر وهو غائب .. إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته ..وإن لم يكن فيه ما تقول : فقد بهته .. أي اغتبته و كذبت وافتريت عليه .. والله تبارك وتعالى يقول .. وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا .. فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَاناً وَإِثْماً مُبِيناً ..من كبائر الاثم .. ما روته أم المؤمنين عائشه ..رضي الله عنها .. قالت كان عندي رسول الله صلى الله عليه وسلم ..فمرت بنا زوجته صفية .. فقلت للنبي صلى الله عليه و سلم حسبك من صفية كذا وكذا واشارت بيدها الى الارض .. أي أنها قصيرة .. فهل تبسم لقولها رسول الله .. صلى الله عليه وسلم .. هل قال لها حقا انها قصيرة .. لا .. قال لها الحبيب المصطفى .. يا عائشه .. لقد قلت كلمة لو مزجت بماء البحر لمزجته .. لو خالطت ماء البحر لغيرت من طعمه و لونه و رائحته ..لأن الغيبة ظلم ..و الظلم ظلمات .. تضيع فيها الحسنات .. و تتزايد فيها السيئات .. فاحذر يا مسلم .. أن تنسف ما بنيت بالحسنات .. احذر أن تضيع منك تلك الجبال من الخيرات .. إحذر أن تقف امام الله .. فلا يبقى في كتابك الا السيئات .. الحديث في الغير حرام .. و كل الناس يعرفونه حرام .. و يا سعد من غلب النفس .. و ترك الحرام .. إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ .. والاخوّة تقتضي ..المودة و الرحمة .. و رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول كُلُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ حَرَامٌ دَمُهُ وَمَالُهُ وَعِرْضُهُ ..فلا يصح من مسلم أبدا .. أن يتحدث في أخيه المسلم .. بما يكره .. لأنه الخاسر في الدنيا و الاخرة .. الذي يتحدث في أخيه المسلم ..لا يموت حتى يُظهرَ الله مساويه الى الناس .. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم .. لا تغتابوا المسلمين .. ولا تتبعوا عوراتهم .. فانه من اتبع عورة اخيه المسلم .. اتبع الله عورته.. وفضحه وهو في بيته .. أي يخرج الله للناس مساويه.. فيعرفونها وهو حي .. فاذا مات رافقه العذاب الى قبره .. مر النبي صلى الله عليه وسلم بقبرين فقال : إنهما ليعذبان وما يعذبان في كبير.. يعذبان في أمور كانا يحسبانها هينة و بسيطة .. إنهما ليعذبان وما يعذبان في كبير .. أما أحدهما فكان لا يستتر من بوله .. وأما الاخر فكان يمشي بين الناس بالغيبة وبالنميمة .. هذا عذابه في القبر .. فاذا استقر بالبرزخ.. في السماء الدنيا .. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم .. لما عُرج بي .. مررت بقوم لهم أظفار من نحاس .. يخمشون وجوههم وصدروهم ، فقلت من هؤلاء يا جبريل؟ قال هؤلاء الذين يأكلون لحوم الناس .. ويقعون في أعراضهم .. فما للمؤمن و هذه العذابات و ماله وهذه الخسارات .. اذا حفظ المؤمن لسانه .. و أحب للناس ما يحب لنفسه .. و أطاع الله فيما أمره .. فاز في الدنيا بحياة طيبة ..و كان في الاخرة .. خالدا في جنات النعيم .. اللهــم أصلح حال قلوبنا..وأصلح حال ألسنتنا..و اجعلنا من عبادك الصادقين.. اللهم ثبتنا على نهج الإستقامة..و أعذنا في الدنيا من موجبات الندامة..و خفف عنا ثقل الأوزار.. وارزقنا منطق الأخيار..و صدق الأبرار..و اعتق رقابنا و رقاب آبائنا و أمهاتنا من النار.. اللهم بارك لنا في أسماعنا و أبصارنا..و بارك لنا في أقوالنا و أعمالنا.. و اجعلنا من عبادك الصالحين.. برحمتك أرحم الراحمين..يا خالق الخلق أجمعين..يا غافر الذنب عن المذنبين.. يا قابل التوب عن التائبين..يا مجيب السائلين.. نسألك اللهم أن تحفظنا بحفظك المتين..و تجمعنا و أهلنا في حصنك الحصين.. اللهم و أعز الإسلام و المسلمين.. و أذل أهل الكفر و المشركين.. واجعل اللهم بلدنا آمنا مطمئنا وسائر بلاد المسلمين..وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين عباد الله ان الله يأمر بالعدل والإحسان