الاستغفار

الحمد لله الذي أمر بالاستغفار عباده المؤمنين .. وهدى بفضله الطائعين ..لاتباع شرعه المتين ..أشهد أن لا اله الا الله .. وحده لا شريك له .. فتح أبواب فضله للمستغفرين .. و جازاهم بكرمه مراتب الصالحين ..و أشهد أن سيدنا و حبيبنا محمدا عبده و رسوله .. سيد المستغفرين ..و إمام المتقين .. اللهـــم صل وسلم عليه في الأولين و الآخرين .. و ارض اللهم على آله الطاهرين..وعلى صحابته الغر الميامين .. و على مـن تبعهم بإيمان وحسن يـقيـن ..و عنا معهم باحسان الى يوم الدين
أما بعد.. إخوة الإيمان و العقيدة
• لقاؤنا اليوم .. باذن الله تبارك و تعالى .. حول امر من أعظم أوامر الله .. شرعه الله رحمة بعباده المؤمنين .. و جعله ماحيا لذنوبهم .. وداعما لحسناتهم .. هذا الامر العظيم .. هو الاستغفار .. أمرالله عباده أن يستغفروه .. فقال جل جلاله .. وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ .. إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ .. رحيم بعباده .. يريد لهم هناء الحياة في الدنيا ..و الفوز و النجاة في الاخرة .. هذا الاله الحبيب .. برحمته و عطفه .. أوحى الى عبده و رسوله .. أن أخبر عبادي .. قل لهم أخبرنا رسول الله صلى الله عليه و سلم ..عن رحمته و عطفه فقال .. إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَنْزِلُ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا فِي كُلِّ لَيْلَةٍ، إِذَا بَقِيَ ثُلُثُ اللَّيْلِ الأخِيرْ، فَيَقُولُ: هَلْ مِنْ دَاعٍ فَاسْتَجِيبَ لَهُ؟ هَلْ مِنْ مُسْتَغْفِرٍ فَأَغْفِرَ لَهُ.. وذلك حَتَّى يَطْلُعَ الْفَجْرَ .. هذا الخالق البارئ .. هذا الرؤوف الرحيم .. ينادي خلقه .. يا ابن آدم ، إِنَّكَ ما دَعَوْتَني ورَجَوْتَني : غفرتُ لك ما كانَ مِنكَ ، ولا أُبالِي ، يا ابنَ آدمَ ، لو بلغتْ ذُنُوبُكَ عَنَانَ السماءِ ، ثم استَغْفَرتَني : غَفَرْتُ لك ، ولا أُبالي ، يا ابنَ آدم إِنَّكَ لو أتيتني بِقُرابِ الأرض خَطَايا ، ثم لَقِيتَني لا تُشْرِكُ بي شيئا : لأَتَيْتُكَ بِقُرابِها مَغْفِرَة .. الشرط الوحيد.. أن يكون الانسان طائعا .. مخلصا لله في عبادته .. و طيبا و محسنا في معاملة خلق الله .. أن يكون مؤمنا تقيا ..عالما أن له ربا رحيما .. يدله على الخير .. ليجازيه بما هو افضل.. يقول الله جل و علا .. يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ.. فنحن السعداء في الدنيا .. اذا أطعنا ..و نحن أهل الجنة في الاخرة .. اذا استقمنا .. من أجل ذلك .. أراد الله في علمه و قدره .. أن يعيش المسلم في حياته آمنا مطمئنا .. فأمره بالاستغفار .. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيَّ أَمَانَيْنِ لِأُمَّتِي .. الامان الاول .. في قول الله تبارك و تعالى وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ .. ما دام الرسول صلى الله عليه وسلم مع الامة ..فهي في أمان و سعادة وهناء .. و الامان الثاني .. في قول الله جل جلاله .. وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ .. قال صلى الله عليه وسلم .. فَإِذَا مَضَيْتُ تَرَكْتُ فِيهِمْ الِاسْتِغْفَارَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ.. أمة الاستغفار .. أمة سعيدة .. لا يتأتيها نكد و لا هم .. اذا لزمت الاستغفار ..الله جل جلاله .. يريد لعبده المسلم ..أن يعيش أيامه فوق الارض .. مرتاح البال .. مطمئن القلب ..هانئ النفس ..كل ذلك مع متاع حسن .. و المتاع الحسن .. أن يهبه الله زوجة طائعة..و ذرية صالحة.. و تجارة رابحة .. و لتحقيق هذه السعادة الفائقة .. أمره الله بالاستغفار .. يقول الله جل جلاله .. وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ .. يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعًا حَسَنًا إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ .. فاذا صادف في حياة المسلم ..نقص في غيث السماء .. هوّ فلاح .. جفت أرضه .. وعطشت أشجاره .. و احتاج للسقيا .. أمره الله بالاستغفار .. خرج الفاروق عمر.. رضي الله عنه يستسقي .. فلم يزد على الاستغفار، وارسل الله غيثه .. فقالوا: ما رأيناك استسقيت؟ فقال: لقد طلبت الغيث بمفاتيح السماء .. ثم قرأ قول الله تبارك و تعالى .. فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارا.. يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا .. واذا لاقى المسلم نقصا في المال.. أوتعطلا في انجاب الاولاد .. أوفقرا في متاع الدنيا .. أمره الله بالاستغفار .. فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارا.. يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا.. وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ .. وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا .. و اذا أذنب المسلم ..و أحاطت به خطيآته .. أمره الله بالاستغفار .. فقال جل و علا .. وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ.. ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ .. يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا .. و اذا كثرت على المسلم الهمومُ و الغموم .. أو عجز عن سداد الديون .. امره الله بالاستغفار .. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : مَنْ لَزِمَ الاسْتِغْفَارَ جَعَلَ اللَّهُ لَهُ مِنْ كُلِّ هَمٍّ فَرَجًا، وَمِنْ كُلِّ ضِيقٍ مَخْرَجًا، وَرَزَقَهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ..حدثتكم يوما عن التابعي .. الربيع بن خيثم .. و عَلِمْنا أنه من شدة ورعه..حفر تحت سريره حفرة.. ؛ فإذا وجد في قلبه قسوةً..أوفي نفسه لهوة.. أو في حضوره مع الله غفلة.. نزل في تلك الحفرة ؛ وكان يمثل نفسه أنه قد مات... وندم على ما فات.. وسأل الله الرجعة ..فكان يقول وهو ممدد في الحفرة : رب ارجعون لعلي اعملُ صالحاً فيما تركت.. فيبقى يردد الآية وهو يبكي.. ثم يقوم.. فيقول لنفسه..ها قد رجعت يا ربيع..ها أنت في الدنيا يا ربيع.. فاغتنم أيام عمرك يا ربيع.. وإياك أن تنس الله ... فلا يرى بعد ذلك إلا خاشعا..حاني الرأس من خشية الله.. هذا الربيع .. قال لأصحابه يوما : أتدرون ما هو الداء وما هوالدواء وما هو الشفاء؟ قالوا: لا ندري .. قال لهم : أما الداء, فهيّ الذنوب، وأما الدواء, فهو الاستغفار، وأما الشفاء فهو أن تتوب فلا تعود.. جاءته ابنته يوما .. قالت : يا أبتاه .. ما لي أرى الناس ينامون ولا تنام؟ قال لها : إن جهنم لم تتركني أنام .. فما أحوجنا اليوم الى كثرة الاستغفار .. وقد كثرت المعاصي .. و تسببت في عديد الهموم و المآسي .. و ضاقت الأرض بما رحبت ..و منع عنها قطر السماء فعمها الجفاف .. فهذا زمن الاستغفار .. بالليل و النهار .. و هذا زمن الدعاء و اللجوء الى الله .. الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا إِنَّنَا آمَنَّا.. فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ .. الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالْقَانِتِينَ.. وَالْمُنْفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحَارِ.. اللهم اغفر لنا ذنوبنا ، واستر لنا عيوبنا، واقبل توبتنا، وارحم ضعفنا، وتولَّ أمرنا، وأحسن خلاصنا
أقول قولي هذا

الخطبة الثانية

في الزمن الاول .. نبي الله يحي بن زكرياء عليهما السلام .. لقي ابليس في الطريق .. قال له يا ابليس .. اخبرني عن بني ادم معكم .. قال هم عندنا على ثلاثة أصناف.. أما صنف منهم .. فهم اشدّ الأصناف علينا .. نقبل عليه حتى نفتنه .. ونستمكن منه.. فما يبقى عندنا الا قليلا .. حتى يفزع إلى الاستغفار والتوبة.. ويفسد علينا كل شيء أدركناه منه.. فنحن من ذلك في عناء .. وأما الصنف الآخر.. فهم بين أيدينا.. بمنزلة الكرة في أيد صبيانكم.. نتلقفهم كيف نشاء .. فقد كفونا أنفسهم .. وأما الصنف الآخر.. فهم مثلك معصومون .. لا نقدر منهم على شيء .. فبالاستغفار ينتصر المسلم على همزات الشياطن .. و بالاستغفار يمحو الله خطايا المذنبين .. وبالاستغفار يكون المسلم في حصن الله الحصين .. وهذا الاستغفار .. لا يحتاجه العصاة و المذنبون فقط .. ، بل هو لأصحاب الطاعات، لهم في الاستغفار نصيب .. هو للأنبياء و المرسلين .. ولعباد الله الصالحين .. فهذا حبيبنا رسول الله .. صلى الله عليه وسلم .. وهو الذي غفر الله له ما تقدم من ذنبه و ما تاخر .. ينادي .. يا أيها الناس استغفروا الله وتوبوا إليه .. فإني استغفر الله وأتوب إليه في اليوم مائة مرة .. وهو الذي حبب الينا الاستغفار .. لما فيه من مغفرة للذنوب .. و زيادة في الاجور .. يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم .. ما من رجلِ يذنب ذنبا.. ثم يقوم فيتطهر.. فيحسن الوضوء.. ثم يقوم فيصلي ركعتين.. ثم يستغفر الله عز وجل .. إلا غفر له ، و من سنّة رسول الله صلى الله عليه وسلم .. الاستغفار ثلاث مرات بعد تمام الصلاة .. قال ثوبان خادم رسول الله ..صلى الله عليه وسام . كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إِذَا انْصَرَفَ مِنْ صَلاتِهِ، اسْتَغْفَرَ ثَلاثًا، لما قد يحدث في الصلاة من نقص , كحديث نفس , أو قلة خشوع .. و من هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم .. الاستغفار للأموات .. يقول صلى الله عليه وسلم .. ما الميت في القبر.. إلا كالغريق المتغوث .. ينتظر دعوة تلحقه من أب .. أو أم أو أخ أو صديق .. فإذا لحقته .. كانت أحب إليه من الدنيا وما فيها ، وإن الله عز وجل ليدخل على أهل القبور.. من دعاء أهل الأرض .. أمثال الجبال .. وإن هدية الأحياء إلى الأموات .. الاستغفار لهم .. و في عالم الارواح ..حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال .. إِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لَيَرْفَعُ الْعَبْدَ الدَّرَجَةَ ، فَيَقُولُ : رَبِّ أَنَّى لِي هَذِهِ الدَّرَجَةُ ؟ فَيُقَالُ .. بِاسْتِغْفَارِ وَلَدِكَ لَكَ .. اللهم اغفر لآبائنا و أمهاتنا ..و تجاوز عن سيئاتهم و سيئاتنا .. و أسكنهم الفردوس الاعلى .. اللهم واغفر لأهلنا و قراباتنا .. واغفر لجميع المسلمين .. الاحياء منهم و الميتين .. اللهم أجعلنا من عبادك الطائعين.. وارزقنا التوجه إليك وحسن اليقين..واكتبنا عندك من الذاكرين..واهدنا للعمل بكتابك المبين..ووفقنا لاتباع سنة سيد المرسلين ..واجعله شفيعنا و قائدنا يوم الدين..وأسكنا جواره في أعلى عليين.. برحمتك يا أرحم الراحمين.. يا خالق الخلق أجمعين.. يا انيس الصالحين.. يا جليس الذاكرين.. يا مجيب السائلين .. نسألك اللهم رحمة من عندك تهدي بها قلوبنا.. وتعوّد بها ألسنتنا على طلب مغفرتك..و تجمعنا بها في زمرة عبادك الذاكرين..اللهم أعز الإسلام و المسلمين.. وأذل أعداء هذا الدين.. واحفظ بلدنا و سائر بلاد المسلمين ..واخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين ..
عـباد الله ان الله يأمر بالعدل و الاحسان