خطبة الجمعة : ختام رمضان

ختام رمضان

الحمد لله الذي أنعم علينا بإتمام شهر رمضان.. وهدانا فيه للأخذ بأسباب المغفرة و الرضوان.. أشهد أن لا إله إلا الله.. وحده لا شريك له..هو الدائم.. و كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ .. وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ..وأشهد أن سيدنا و حبيب قلوبنا محمدا عبده و رسوله..خير العابدين العاكفين في كل آن.. وأفضل من تهجد وتضرع وصام .. اللهم صل و سلم عليه و على آله البررة الكرام..و على أصحابه الأعلام..وعلى من تبعهم بإحسان ..على مر الأيام و الأعوام..
أما بعد .. أيها الصائمون و الصائمات ..

سلام من الرحمن كل أوان
على خير شهر قد مضى وزمان
لئن فنيت أيامـك الغر بغتة
فما الحـزن من قلبِي عليـك بـفان

ها هو رمضان.. قد شمّر عن ساق.. و أذن برحيل و فراق..ليتعلم الإنسان.. أن البقاء لله وحده.. وأن كل من عليها فان.. شهر رمضان ..و كذا عمر الإنسان..و كذا كل الزمان.. لكل بداية نهاية .. كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ .. وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ..{الرحمان26-27}.. يبقى الدائم الذي لا يزول .. إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصَارِ..{آل عمران13}.. من أجل أن يتزود المؤمن ..لسفر طويل .. لعقبات كأداء.. ليوم تشخص فيه القلوب و الأبصار.. يعلمنا رحيل رمضان..أن الدنيا التي أحببناها زائلة ..و أن الحياة التي تعلقنا بها فانية ..و أن العودة ضرورة محتمة..فماذا أعددنا لها.. زاد سفرنا.. تقوى الله..وهي التي حددها لنا خالقنا و مبدعنا..فكان أمره لنا .. وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى .. وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ..{البقرة197}.. فهل عشنا التقوى في تعبدنا..هل حملنا التقوى إلى تعاملنا..هل جعلنا التقوى منهجا لحياتنا و أعمالنا و أقوالنا و تصرفاتنا..سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم مَا أَكْثَرُ مَا يُدْخِلُ الْجَنَّةَ قَالَ : تَّقْوَى الله وَحُسْنُ الْخُلُقِ..رواه الإمام أحمد.. و ما شرع الله الصوم إلا للتقوى.. يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقونَ ..{البقرة183}فهل تزودنا من رمضان.. بمعين التقوى ..لباقي شهور العام .. وليوم الرحيل التام..قدوم رمضان..يذكرك يا ابن آدم بقدومك..ورحيله تذكير برحيلك..

ولدتك أمك يا ابن آدم باكــياً
والقوم حولك يضحكون سروراً
فاعمل ليوم أن تكون إذا بكوا
في يوم موتك ضاحكاً مسروراً

فاعمل أيها المؤمن..أعمل كل خير..كل عمل ترى فيه رضوان الله..وأكثر الزاد فإن السفر طويل..وإنك مقبل على الله ..ولا ينفعك إلا الخير..
أيها المؤمنون و المؤمنات .
وإن مما شرع الله لكم في ختام هذا الشهر المبارك صدقة الفطر.. قال تبارك و تعالى: قد افلح من تزكى وذكر اسم ربه فصلى..{الأعلى 14-15}.. وقد بيّنها رسول الله صلى الله عليه و سلم في صحيح أحاديثه ..فقد أورد الإمام البخاري قول عبد الله بن عمر رضي الله عنهما (فرض رسول الله صلى الله عليه و سلم زكاة الفطر صاعا من تمر أو صاعا من شعير على العبد والحر والذكر والأنثى والصغير والكبير من المسلمين وأمر بها أن تؤدى قبل خروج الناس إلى الصلاة.. وقد دأبنا على إخراجها نقدا.. على مذهب الإمام أبي حنيفة..وهو المعمول به في بلادنا ..وقد أصدر سماحة مفتي الجمهورية مقدارها لهذا العام بدينار وثلاثمائة مليم عن كل فرد.. وأفضل أوقات إخراجها هو بعد طلوع فجر يوم العيد و قبل الصلاة.. وهي زكاة للأبدان وتطهير للصائم من الخلل في صومه ودليل ذلك ..ما رواه أبو داود من حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : زَكَاةُ الْفِطْرِ طُهْرَةٌ لِلصَّائِمِ مِنَ اللَّغْوِ وَالرَّفَثِ وَطُعْمَةٌ لِلْمَسَاكِينِ مَنْ أَدَّاهَا قَبْلَ الصَّلاَةِ فَهِي زَكَاةٌ مَقْبُولَةٌ ..وَمَنْ أَدَّاهَا بَعْدَ الصَّلاَةِ فَهِي صَدَقَةٌ مِنَ الصَّدَقَاتِ.. وقد أجاز الإمام مالك إخراجها قبل يوم أو يومين..ووسع الإمامان الشافعي وأبو حنيفة وقت أخراجها إلى أول رمضان..
ومما شرع الله لكم أيضا.. بعد ختام هذا الشهر المبارك..وفي صبيحة أول أيام شهر شوال ..صلاة العيد.. وهي سنة مؤكدة ..بعد الوتر في التوكيد.. والسنة فيها أن يأكل الإنسان قبل خروجه إلى الصلاة وترًا من التمرات ، ثلاثًا أو خمسًا أو سبعًا ..كما كان يفعل حبيبنا صلى الله عليه و سلم.. روى الإمام البخاري عن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم.. كان لا يغدو يوم الفطر حتى يأكل تمرات ..أما وقتها فعند حل النافلة , بعد طلوع الشمس بعشرين دقيقة..وهي ركعتان جهريتان..يكبر فيها المؤمن في الركعة الأولى سبع تكبيرات بتكبيرة الإحرام..ثم يقرأ و يركع فإذا بدأ الركعة الثانية كبر ست تكبيرات بتكبيرة القيام.. إذا أدرك الإمام في القراءة ..دخل الصلاة بسبع تكبيرات واحدة للإحرام و ستة سنة صلاة العيد.. إذا أنقص تكبيرة فانه يسجد لها قبل السلام لأن كل تكبيرة سنة مؤكدة... إذا دخل المؤمن عند شروق الشمس أو بعدها ووجد الناس يكبرون ..لا يتنفل ..لأن النافلة إن كانت عند الشروق فهي حرام أما بعد اكتمال ظهور قرص الشمس فإنها مكروهة حتى ترتفع قدر القامة 20 دقيقة .. فلا تحل النافلة لمن يدخل الجامع في يوم العيد لهذا العام.. ما بين الساعة السادسة و خمس دقائق و السادسة و النصف.. مع العلم أن صلاة عيد الفطر ستقام في هذا الجامع بإذن الله على الساعة السابعة صباحا..
ومما شرع الله لكم أيضا.. بعد ختام هذا الشهر المبارك.. صيام ستة أيام من شهر شوال.. لقوله صلى الله عليه وسلم..وحديثه في صحيح الإمام مسلم.. مَنْ صَامَ رَمَضَانَ ثُمَّ أَتْبَعَهُ سِتًّا مِنْ شَوَّالٍ كَانَ كَصِيَامِ الدَّهْرِ..ومعنى ذلك..فسره رسول الله صلى الله عليه وسلم.. والحديث عند الإمام أحمد .. مَنْ صَامَ رَمَضَانَ فَشَهْرٌ بِعَشَرَةِ أَشْهُرٍ وَصِيَامُ سِتَّةِ أَيَّامٍ بَعْدِ الْفِطْرِ فَذَلِكَ تَمَامُ صِيَامِ السَّنَةِ ..ومن صام الستة كل عام فكأنما صام الدهر كله..و يشترط في صيامها عدم اتصالها بيوم العيد.. وعدم إظهارها ..وعدم وصلها ..فمن السنة إبعادها عن يوم العيد..وأن يصومها خفية..لا يحدث الناس بصيامها ..وان يصومها متفرقة ..
وإنها لأيام مباركات..أيام عيد الفطر.. أيام فرح و بهجة ..و أيام صلة و تراحم و تآلف..فعلينا أن نتمسك بما تعلمناه في رمضان.. فإن من قبول الطاعة.. إتباعها بطاعة.. وقد تعلمنا حضور الجماعات .. وتلاوة الآيات..و زيادة الركعات..فلا ننساها في أيام عيدنا..ولن ننساها في قادم أيامنا.. وتعلمنا في رمضان أن نحفظ ألسنتنا عن اللغو و قول الزور والحديث الذي لا فائدة منه ..وأن نحفظ أسماعنا عما حرم الله من القيل و القال .. و سماع الأغاني.. وتعلمنا في رمضان غض البصر ..و تعلمنا في رمضان صلة الرحم...عرفنا معنى الأبوة ..و معنى الأمومة ومعنى الأخوة..عرفنا فرحة الأهل و الأقارب بالقرب و الزيارة .. أطعنا الله في رمضان ..حافظنا على صومنا في رمضان ..فعلنا الخير في رمضان .. فلنجعل ذلك منهجنا بعد رمضان .. لأن الذي خلق رمضان..هو الذي خلق شوال..وخلق الزمان.. وإننا نرى الأيام كيف تجري ..و إننا نرى الموت كيف يحمل منا الأهل و الأحباب .. عبرة لنا حتى لا نغفل.. فاتقوا الله عباد الله ..و أروا الله من أنفسكم خيرا.. واستمروا على ما ألفتم من طاعة.. فسر وجودنا أن نكون من الطائعين.. اللهم لا تجعلنا من الغافلين .. اللهم واكتبنا ممن دعوا إلى طريقك فأجابوا .. وعملوا بشرعك فأصابوا..و استغفروا لذنوبهم و أنابوا.. اللهم وفقنا لدوام عبادتك.. وألحقنا بالصالحين..
أقول قولي هذا و أستغفر الله العظيم الكريم لي و لكم \