خطبة الجمعة : بداية رمضان

بداية رمضان

الحمد لله الذي مـنّ علينا بمواسم الخيرات..وخص شهر رمضان بالفضل والبركات ..وحث فيه على أعمال البر و الطاعات...أشهد أن لا إله إلا الله.. وحده لا شريك له ..فتح أبواب رحمته للصائمين.. وفسح ميادين مغفرته للتائبين... وأشهد أن سيدنا و حبيب قلوبنا..وضياء أبصارنا و نور بصائرنا..و إمامنا و قدوتنا.. محمدا عبده و رسوله.. أرسله للعالمين بشيرا و نذيرا.. وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا.. اللهم صل عليه وعلى آله الأكرمين الطاهرين.. وارض اللهم على أصحابه الغر الميامين.. وعلى التابعين لهم بإحسان و حسن يقين..
أما بعد... إخوة الإيمان والعقيدة
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ.. كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ.. لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ [البقرة 183] على جناح التقوى , والبر و الإخاء.. و في فضاء من الصفاء و النقاء, يجمعنا اللقاء.. بين فضائل الرحمان..و دلائل الرحمة والغفران..وعلى نفحات رمضان .. ينعم أهل الطاعة والإيمان.. بالصيام و القيام للملك العلام.. يتساءل المؤمنون هذه الأيام.. ما لنا تغيرنا في رمضان.؟.ماذا حدث لنا من أول ليلة في رمضان.؟.ما للقلوب أصبحت أسرع خشية لله.؟. ما للأسماع ترققت.؟.لما تعطرت بآيات الله.. كيف صارت العيون تدمع.؟. من سماع كلام الله..من أين جاءتنا هذه الخشية.؟.وهذا الخشوع..كيف وصل إلينا هذا الإقبال على بيوت الله.؟. كيف أصبحنا نشتاق للطاعة.؟.كيف استأنسنا بكتاب الله.؟. ما لأيدينا صارت تنفق في سبيل الله.؟.كيف صرنا إلى التراحم والتآلف أقرب.؟. رغم أن الأيام هي الأيام..و الليالي نفس الليالي.. و الشمس هي الشمس..تطلع صباحا من شرقنا..وتغيب مساء في غربنا..فما الذي تغيـّر؟وما الذي استجد .؟. إنها فضائل الرحمان..أودعها الله في أيام و ليالي رمضان.. هكذا شاء الله..اختار رمضان من بين شهور العام..لينزل فيه رحماته و بركاته.. وهو القائل في كتابه العزيز وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاء وَيَخْتَارُ {القصص:68.}.. اختار الله هذا الشهر.. ليكون شهر عبادة..فـصفد الشياطين.. وفتح أبواب رحمته للمؤمنين..فإذا العبادة تسري في قلوب العباد..ليشهد رمضان..عودة العباد لرب العباد..كما اختار من قبل البيت العتيق بمكة المكرمة..وفضله على سائر الأمكنة ..وجعله مثابة للناس .. يقول الله تبارك و تعالى.. وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ..{البقرة125} أي جعلناه محلا.. تشتاق إليه الأرواح.. وتحن إليه القلوب ..ولا تمله.. ولو ترددت عليه كل عام.. استجابة من الله لدعاء خليله إبراهيم عليه السلام .. رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ.. فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ.. وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ..{إبراهيم37}.. آيات.. من عند الرحمان..قلوب الحجيج تحن لمكة..و ثمرات الدنيا على مدار العام تعرض في مكة.. تحن القلوب ..فتقطع المسافات.. و تشق البحار..حنينا للبيت العتيق..تأتي من بلاد خضراء .. لتعيش بشوق في واد غير ذي زرع .. تأتي من بلاد ناعمة البرودة..لتعيش بلهف و حنين.. في صحراء شديدة الحرارة ..إن الذي جعل قلوب العباد معلقة بالكعبة المشرفة..هو الذي فتح القلوب على التقوى و حسن العبادة في شهر رمضان.. شهر رمضان .. شهر العظمة.. شهر منّ الله به على هذه الأمة دون الأمم .. هو شهر الصيام.. و الصوم هو عبادة السر ،عبادة الإخلاص, عبادة الصدق مع الله.. من أجل ذلك ..قال الله في حديثه القدسي.. كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ لَهُ ..إِلَّا الصِّيَامَ فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ.. متفق عليه.. وهو شهر القرآن.. يقول جل جلاله.. شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ [البقرة : 185]..فرمضان شهر الصيام.. و رمضان شهر القرآن..وفي كل منهما خير للأمة المؤمنة .. يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم.. و حديثه عند الإمام أحمد.. الصِّيَامُ وَالْقُرْآنُ يَشْفَعَانِ لِلْعَبْدِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ.. يَقُولُ الصِّيَامُ أَيْ رَبِّ ..مَنَعْتُهُ الطَّعَامَ وَالشَّهَوَاتِ بِالنَّهَارِ.. فَشَفِّعْنِي فِيهِ..وَيَقُولُ الْقُرْآنُ.. مَنَعْتُهُ النَّوْمَ بِاللَّيْلِ فَشَفِّعْنِي فِيهِ.. قَالَ فَيُشَفَّعَانِ..
و في يوم القيامة ..و الناس في شدة المحشر.. و الناس في حيرة المحشر.. والناس في خوف و في فزع.. ينادي مناد من قبل الله..أين الصائمون..فيقومون ..تحفهم الملائكة وهم مكرمون.. أورد الإمامان البخاري و مسلم و اللفظ هنا لمسلم..قول رسول الله صلى الله عليه وسلم.. إِنَّ فِي الْجَنَّةِ بَابًا يُقَالُ لَهُ الرَّيَّانُ يَدْخُلُ مِنْهُ الصَّائِمُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لاَ يَدْخُلُ مَعَهُمْ أَحَدٌ غَيْرُهُمْ يُقَالُ أَيْنَ الصَّائِمُونَ فَيَدْخُلُونَ مِنْهُ فَإِذَا دَخَلَ آخِرُهُمْ أُغْلِقَ فَلَمْ يَدْخُلْ مِنْهُ أَحَدٌ..فطوبى لهذه الأمة برمضان..و طوبى ثم طوبى لها برب كريم رحيم رحمان..
فتنافسوا معشر المؤمنين و المؤمنات في هذه الأيام المباركة بكل أنواع الطاعات.. و تحننوا فيه على المسلمين بالبر والصدقات.. واحفظوا صومكم من كل الآفات و المحرمات..
اللهم تقبل في هذا الشهر العظيم صيامنا.. و تقبل فيه صلاتنا و قيامنا.. و تقبل فيه تضرعنا و دعاءنا.. اللهم اجعله مفتاحا لنا إلى كل خير.. واجمع فيه شملنا..وحقق فيه الوفاق بيننا..واجعله شهر خير و بركة لنا ولبلدنا ولكل المسلمين..
و آخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.. أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم الكريم لي ولكم \