خطبة الجمعة : الأمة الخيرة

خطبة الجمعة : الأمة الخيرة.. للإمام الشيخ : عبدالله المؤدب البدروشي ..
* *
الحمد لله الذي أعزنا بالإسلام.. وأكرمنا بمحمد عليه الصلاة و السلام..وجعلنا خير أمة أخرجت للأنام.. أشهد أن لا إله إلا الله ..وحده لا شريك له.. شرفنا بهذا الدين..وأمرنا باتباع هديه المبين..وأعز من آمن وعمل صالحا وكان من المتقين .. و أشهد أن سيدنا و حبيبنا و عظيمنا محمدا عبده و رسوله.. ثبت أركان هذا الدين..و خفض جناحه للمؤمنين..فكان لأمته منبع العز و التمكين ..اللهم صل وسلم عليه في الأولين والآخرين..وارض اللهم على آله الطاهرين ..وعلى صحابته الغر الميامين..وعلى من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين .. أما بعد... إخوة الإيمان و العقيدة أمة الإسلام..هذه الأمة الطيبة .. جعلها الله أمة التوحيد و الهداية .. بين أمم الشرك والضلال .. فالناظر لمن حولنا..يرى عجبا ..يرى إنسان هذا العصر.. وقد بلغ من العلم و المعرفة أبعادا عظيمة..لكنه لا زال يعتقد أن الله أنجب ذات يوم ولدا..ثم نزل الله إلى الأرض.. ليعيش بين الناس متجسما في ذلك الولد .. فعيسى يقول في الإنجيل المحرف..أنا في ألآب و الآب فيّ..و عيسى عليه السلام.. في ديننا العظيم..وفي قرآننا الكريم.. قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ.. آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا [مريم : 30] وعندهم.. الله ثالث ثلاثة..و مريم أنجبت الإنسان والإله.. و الله في قرآننا.. بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ .. أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صَاحِبَةٌ ..وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ.. وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ [الأنعام : 101].. كتابهم اندثر.. وجاء رهبان منهم..كتبوا أناجيل..وقالوا بمثل هذا تكلم عيسى..و قرآننا محفوظ بحفظ الله.. فهو الذي نزّل الذكر وهو الذي تولى حفظه.. فقال جل جلاله..إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ [الحجر : 9] ... وكتابهم شذرات نصائح .. واحتوى قرآننا كل شي..فقال البديع عز و جل.. مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ [الأنعام : 38] من المواقف النيرة .. لعلمائنا الأبرار.. و في مدينة باريس.. قال الفرنسيون للإمام الشيخ محمد عبده .. أنتم تقولون { مَّا فَرَّطْنَا فِي الكتاب مِن شَيْءٍ } قال نعم ..ذاك قول الله..وهو أصدق القائلين .. قالوا له افتح كتابكم .. وقل لنا كم رغيفاً في صاع الدقيق؟ . فقال : انتظروا : واستدعى خبازاً وسأله : كم رغيفا في صاع الدقيق؟ . فقال له :6 أرغفة . فقالوا له : أنت تقول إنه في الكتاب . فقال لهم : الكتاب هو الذي قال لي : { فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ [النحل : 43]} هذا القرآن المبين .. فيه خبر الأولين و الآخرين.. من آدم إلى يوم الدين.. فيه علم الخالق ..الذي لا يطاله علم المخلوقين.. من قال أن الماء العذب..إذا وصل إلى ماء البحر..لا يختلط العذب بالمالح.. قال ذلك الله.. الذي خلق الماءين.. وَهُوَ الَّذِي مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَجَعَلَ بَيْنَهُمَا بَرْزَخًا وَحِجْرًا مَحْجُورًا [الفرقان : 53]..لما اقتربت سفينة الفضاء .. من النزول على سطح القمر .. خاف علماء الأرض .. أن يكون سطح القمر رخوا .. أو غازا متكاثفا .. تغوص فيه المركبة بروادها.. فلما وصلوا..علموا أن القمر كتلة صخور و رمال.. تعكس ضوء الشمس لتنير ظلام الأرض.. و في قرآننا أخبرنا ربنا بحقيقة ذلك..فقال تبارك و تعالى.. أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا (15) وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُورًا وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِرَاجًا [نوح : 15 ، 16] و بديننا و قرآننا..عرفت الدنيا مجدها و عزها.. لما تمسك أجدادنا بدين الإسلام.. علـّموا الدنيا..و قادوها نحو أمنها و رخائها.. إن محور علوم الإنسان في هذا الزمان.. أسسه عالم إسلامي..من دونه لا يتمكن الحاسوب من العمل..و بغيره لا تقاس أبعاد و لا مسافات.. و بسواه لا مراكب فضاء و لا طائرات.. و لا دفاتر و لا حسابات..إنه مؤسس علم الحساب.. و مخترع رقم الصفر..محمد بن موسى الخوارزمي.. و في علم الكمياء برز جابر بن حيان.. فهو أول من استخرج حامض الكبريتيك ، وأول من اكتشف الصودا الكاوية، وأول من استحضر ماء الذهب، وينسب إليه استحضار كربونات البوتاسيوم وكربونات الصوديوم. و مركبات الزئبق .. فلا كيمياء بدون علم جابر بن حيان.. وفي دنيا الطب و الجراحة..أول من اكتشف الدورة الدموية في الإنسان.. هو ابن النفيس.. وأول من استعمل أدوات الجراحة المعروفة إلى الآن.. هو الطبيب الزهراوي وهو أول من استعمل ربط الشريان لمنع النزيف.. أما في عالم الطيران..فعباس بن فرناس..أول من طار في الفضاء..وهو في السبعين من عمره..وقائمة علماء الإسلام طويلة.. و ريادتهم في العلم و المعرفة عظيمة ..فكان الغرب المسيحي يرسل أبناءه لنهل العلم في جامعات المسلمين.. فحملوا علمنا..ومبادئ ديننا.. وارسلوا لنا ما يلهينا و يفسد طبائعنا.. فتقدموا..و تأخر المسلمون و تداعت عليهم الأمم..كما اخبر بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم..والخبر من السلسلة الصحيحة..حيث قال.. يُوشِكُ الأُمَمُ أَنْ تَدَاعَى عَلَيْكُمْ كَمَا تَدَاعَى الأَكَلَةُ إِلَى قَصْعَتِهَا ». قالوا أمِنْ قِلَّةٍ نَحْنُ يَوْمَئِذٍ يا رسول الله قَالَ « بَلْ أَنْتُمْ يَوْمَئِذٍ كَثِيرٌ وَلَكِنَّكُمْ غُثَاءٌ كَغُثَاءِ السَّيْلِ وَلَيَنْزِعَنَّ اللَّهُ مِنْ صُدُورِ عَدُوِّكُمُ الْمَهَابَةَ مِنْكُمْ وَلَيَقْذِفَنَّ اللَّهُ فِى قُلُوبِكُمُ الْوَهَنَ ». فَقَالَوا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا الْوَهَنُ قَالَ « حُبُّ الدُّنْيَا وَكَرَاهِيَةُ الْمَوْتِ.. أمة الإسلام اليوم..غثاء كغثاء السيل..و ما أروع حكمة رسول الله صلى الله عليه وسلم..و ما أبلغ تشبيهه..فغثاء السيل أيها المؤمنون..هو ذلك الزبد الطافي فوق الماء.. ..مهين لا قيمة له..وأين قيمة الأمة.. ذلك الزبد خفيف لا وزن له.. وأين وزن الأمة.. ذلك الزبد متناثر لا ارتباط له..و أين وحدة الأمة.. ذلك الزبد..يطفو على السطح لا عمق له..وأين مبادئ الأمة .. ذلك الزبد محمول..لا إرادة له.. وأين قدرة الأمة.. ذلك الزبد يتجه به السيل حيث يشاء..وكذلك حال الأمة.. لما بعدت عن دينها.. ورخص المسلم بعد غلاء.. وذل بعد عزة .. في عهد الخليفة العباسي المعتصم بالله..أهينت إمرأة مسلمة في سوق للروم في مدينة عمورية.. فصاحت بأعلى صوتها .. وا معتصماه.. فسجنوها و قالوا لها ليأتي معتصمك حتى يخلصك من السجن.. وكان في السوق رجل مسلم..فتزود بزاده و قطع المدن و الصحارى حتى وصل إلى بغداد..واستأذن على الخليفة .. فاخبره بما جرى للمرأة المسلمة و أنها استنجدت به.. و صاحت مستغيثة و معتصماه.. فنهض من فوره و قال لها لبيك لبيك..وأقسم بالله لينصرنها.. ونادى النفير النفير.. وتقدم جيشا قوامه تسعون ألف جندي.. ودخل بلاد الروم ..وبدأت المدن تسقط الواحدة بعد الأخرى.. طلبوا منه الصلح.. فكان يقول لهم.. الصلح بعد عمورية..وقصد عمورية ..ففتحها.. وبحث عن المرأة..وأتي بها..ثم قال أين الرجل الذي أهانها.. قالوا له لا نعرفه.. فقال لهم.. لتخرجنه.. أو لندوسنكم تحت الأقدام.. فأتوا له بالرجل..فقال للمرأة ..هذا الذي أهانك.. قالت نعم.. قال لها هو لك عبد رقيق.. افعلي فيه ما تشائين..و بعزة المرأة المسلمة.. قالت له: يا أمير المؤمنين.. قد أعتقته لوجه الله ، وجزاك الله خيراً عن الإسلام والمسلمين، و كان معه في الجيش الشاعر أبو تمام.. فمدح المعتصم و نصرته في قصيدة عظيمة مطلعها.. السيف أصدق أنباءً من الكتب في حدِّه الحدُّ بين الجدِّ و اللعب هذا الذي كان عندنا..نراه اليوم عندهم.. فجرح نصراني أو يهودي تجيش من أجله الجيوش.. وتشتعل الحروب.. أما المسلم..فالحرب قائمة على استئصاله من هذه الحياة .. و رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول..وقوله من صحيح الترغيب لَزَوَالُ الدُّنْيَا أَهْوَنُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ قَتْلِ رَجُلٍ مُسْلِمٍ .. وترى المسلمين.. يتفاخرون بالتقرب إلى الغرب..يلهثون وراء عاداتهم.. يحتفلون بمناسباتهم.. تمر بنا ذكرى رأس السنة الهجرية.. تدق أبواب مساجدنا الموصدة.. وترحل عنا كما جاءت غريبة في ديار الغرباء.. أما رأس السنة الميلادية ..والتي سميناها تسترا.. رأس السنة الإدارية.. فهي مناسبة العام الجديد.. نحيي ليلها ونحيا نهارها في بهجة العيد.. غفلنا عن أسوتنا.. نسينا قدوتنا.. فنحن مأمورون بتقليد من؟ قال ربنا وخالقنا جل وعلا .. لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ [الأحزاب : 21] ..لماذا ترك المسلمون الأسوة الحسنة..وذابوا في الأسوة السيئة.. فالمسلم هو العزيز بعزة الله..و المسلم هو الأقوم..وهو الأبي.. وهو الأعلى.. وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ [آل عمران : 139].. لكن..هل توقف أهل الإسلام.. عن اتباع نهج أعدائهم..هل تمسكوا بما شرع الله لهم..وهم على بينة أنهم على الحق.. أورد الإمامان البخاري و مسلم في صحيحيهما.. واللفظ هنا للبخاري.. قول رسول الله صلى الله عليه وسلم.. لَتَتْبَعُنَّ سَنَنَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ شِبْرًا شِبْرًا وَذِرَاعًا بِذِرَاعٍ حَتَّى لَوْ دَخَلُوا جُحْرَ ضَبٍّ تَبِعْتُمُوهُمْ قُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى قَالَ فَمَنْ.. هذه التبعية ما أرادها الله لهذه الأمة.. إن الله اصطفى هذه الأمة وفضلها عن بقية الأمم.. يقول جل جلاله.. ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا [فاطر : 32].. وجعلها عزيزة رفيعة منيعة..فقال عز و جل.. وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ [المنافقون : 8].. فهي أمة على الحق.. و غيرها على باطل.. وبهذا خاطب الله حبيبنا محمدا صلى الله عليه وسلم فقال.. فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ.. إِنَّكَ عَلَى الْحَقِّ الْمُبِينِ [النمل : 79].. وهي أمة شريفة.. أعلى الله قدرها و ذكرها فقال تبارك و تعالى لَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَابًا فِيهِ ذِكْرُكُمْ أَفَلَا تَعْقِلُونَ [الأنبياء : 10]..هذه الأمة جعلها الله خير أمة ..فقال عز وجل.. كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ [آل عمران : 110].. أمة لا تنسى نفسها..و لا تذوب في غيرها.. فهي عزيزة بعز الله .. و إن تظاهر بعضها بولائهم لأعدائهم.. و هي الأمة الخالدة إلى يوم القيامة..و أن دينها..دين الإسلام.. هو الدين الحق .. وهو قادم رغم أقسى الظروف .. و البشارة من الحبيب البشير.. جاء في السلسلة الصحيحة قوله صلى الله عليه وسلم..ليبلغن هذا الأمر ما بلغ الليل و النهار.. ولا يترك الله بيت مدر و لا وبر..إلا أدخله الله هذا الدين..بعز عزيز..أو بذل ذليل.. عزا يعز الله به الإسلام.. وذلا يذل به الكفر.. فلم التقليد ..و المسلم هو الأعز، دنيا و أخرى.. ولم يخلق ليكون تابعا.. إنما خلق ليكون متبوعا.. ليكون سيدا .. و بيننا حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم..الذي رواه الترمذي و حسنه.. لاَ تَكُونُوا إِمَّعَةً تَقُولُونَ إِنْ أَحْسَنَ النَّاسُ أَحْسَنَّا وَإِنْ ظَلَمُوا ظَلَمْنَا وَلَكِنْ وَطِّنُوا أَنْفُسَكُمْ إِنْ أَحْسَنَ النَّاسُ أَنْ تُحْسِنُوا وَإِنْ أَسَاءُوا فَلاَ تَظْلِمُوا..وأحسن الناس محمد صلى الله عليه وسلم ..وأحسن شرع.. ما جاء به من عند خالقنا جل جلاله فذلكم الطريق..وقد أمرنا ربنا.. ونهانا.. و أوصانا.. فقال تبارك و تعالى وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ.. سبحان الله.. هذا أمر ربنا.. أمرنا بتنفيذه و تطبيقه.. وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ.. وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ.. فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ.. ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ [الأنعام : 153] اللهم اهدنا فيمن هديت..و تولنا فيمن توليت..و لا تكلنا إلى أنفسنا فنشقى.. و وفقنا لما تحبه و ترضى. اللهم أصلح ذات بيننا..وألـّف بين قلوبنا.. واهدنا سبل السلام.. وأجرنا من خزي الدنيا وعذاب الآخرة.. اللهم أكرمنا ولا تهنا..و أعطنا من خيرك و لا تحرمنا..و عافنا بفضلك واعف عنا..اللهم أقرّ أعيننا بصلاح المؤمنين والمؤمنات.. وأعزنا بعزتك فيما هو آت.. واغفر للآباء والأمهات..واكتب لهم الصحة و السعادة في هذه الحياة..واسكنا وإياهم عندك فسيح الجنات .. اللهم واجعلنا نخشاك كأننا نراك..واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك..ونهج سبيلك واتبع رضاك.. أقول قولي هذا ..وأستغفر الله العظيم الكريم لي ولكم /