خطبة الجمعة : حق الجار

حق الجار

الحمد لله الذي ألـّف بالإسلام بين قلوب المؤمنين.. وأوصى بالإحسان بين الأهل والأجوار والأقربين.. نحمده سبحانه و تعالى..أن شرح قلوب أهل اليقين.. لاتباع شرائع هذا الدين..ونشكره جل جلاله.. أن أتم نعمته على من أحسن واتقى من عباده الطائعين..ونشهد أن لا إله إلا الله..وحده لا شريك له..شهادة المخلصين له الدين.. المتبعين لهدي الصادق الأمين..ونشهد أن سيدنا و حبيب قلوبنا محمدا عبده و رسوله.. سيد الأبرار و المتقين.. اللهم صل عليه و على آله الطاهرين..و على أصحابه الغر الميامين..و على من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين..
أما بعد....... إخوة الإيمان و العقيدة
مازلنا.. مع عظمة الإسلام..و تعاليمه النيرة..وأحكامه الخيرة..ونحن المأمورون بالتمسك بهديه..و التعلق بأمره..يقول ربنا جل وعلا.. إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ، ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ [يوسف : 40]ُ..والمتأمل في الإسلام..يقف أمام دين..نظـّم الحياة..وضمن ما بعد الممات..دين.. وسع الدنيا وما فيها.. وشمل الآخرة وما حوت.. هذا الدين القيم.. اعتنى بالإنسان..فبجله وأعزه و كرمه ..فقال خالقنا و منشؤنا.. وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا [الإسراء : 70].. هذا الدين القيم.. جعل المؤمنين إخوة.. على امتداد المكان.. وعلى امتداد الزمان ..فقال تعالى.. إنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ [الحجرات : 10].. وقال حبيبنا صلى الله عليه وسلم وقوله عند الإمام مسلم.. الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ لاَ يَظْلِمُهُ وَلاَ يَخْذُلُهُ وَلاَ يَحْقِرُهُ..فجاء هذا الدين..حصنا حصينا ..جمع أمة الإسلام.. إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ [الأنبياء : 92].. ووصل بعضها ببعض برباط قدسي متين..فجمع بين الوالدين و الأبناء في أسرة متينة.. وجمع بين الأسرة و الأسرة في مجتمع متآلف متعاون.. وجمع المجتمع بتمامه على منهج العبادة الخالصة..للخالق المبدع..يقول رب العزة تبارك و تعالى.. وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا [النساء : 36]..هذه الآية المباركة ..حوت عشرة حقوق..هي واجبات على كل مؤمن و مؤمنة.. وهي حق الله، وحق الوالدين، وحق القرابة، وحق اليتامى، وحق المساكين، وحق الجار الجنب، وحق الصاحب بالجنب، وحق ابن السبيل وحق ما ملكت الأيمان..وفي هذا اللقاء الطيب..مع الكلم الطيب..اخترت لحضراتكم الحديث حول حق الجار.. وحق الجار في الإسلام عظيم..عظمه الله ورسوله .. وأعظم جوار..ضربه الله مثلا.. جوار المرأة الصالحة..المرأة النقية التقية..امرأة فرعون.. التي اختارت جوار ربها.. دون خلقه.. فقال تبارك و تعالى .. وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ [التحريم : 11] ..فذاك أعظم جوار.. أما الجوار في الدنيا..فهو عظيم.. بعظمة معظمه.. لمَا لدور الجار في حياة الجار .. وامتداد ذلك إلى آخرة الجار..يقول حبيب هذه الأمة صلى الله عليه وسلم فيما يرويه الإمام مسلم عن أبي هريرة.. تُعْرَضُ الأَعْمَالُ فِي كُلِّ يَوْمِ خَمِيسٍ ويوم َاثْنَيْنِ.. فَيَغْفِرُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ لِكُلِّ امْرِئٍ ..لاَ يُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئًا ..إِلاَّ امْرَأً كَانَتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَخِيهِ شَحْنَاءُ.. فَيُقَالُ اتركُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا اتركُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا.. فأنت أيها المؤمن مأمور بالإحسان إلى الجار..فهو جارك..وهو أخوك الذي لم تلده أمك..وهو القريب منك..الذي يراك عند دخول بيتك و عند الخروج..و يسمع حديثك عند الوئام وعند الخصام .. وهو الذي يعرف أسرار بيتك..لشدة قربه منك.. قد ترى والديك مرة في اليوم..وترى جارك في اليوم مرات..قد ترى إخوتك مرة في الأسبوع وترى جارك في الأسبوع مرات و مرات ..قد ترى أقرباءك في الشهر مرة و ترى بعضا منهم في العام مرة..ولكن جارك تراه مرات و مرات و مرات.. هذا الجار أوجب الله علينا احترامه و الإحسان إليه..مهما كانت مكانته..لا فرق بين غني أو فقير..لا فرق بين صاحب منصب وجاه و بين إنسان عادي..ولا فرق كذلك بين مسلم و كافر.. الإحسان في الإسلام واجب..فلا صلاة من غير إحسان..ولا صوم ولا زكاة ولا حج من غير إحسان ..من أجل ذلك أمر الله بالإحسان.. إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ [النحل : 90].. يقول حبيبنا الحبيب.. صلى الله عليه وسلم..وحديثه عند الإمام مسلم إِنَّ اللَّهَ كَتَبَ الإِحْسَانَ عَلَى كُلِّ شَىْءٍ..فالمؤمن محسن..لكل من حوله..ولكل ما حوله .. وقليل من الإحسان..قد يرفع المؤمن أعلا الدرجات..أورد الإمامان البخاري و مسلم في صحيحيهما و النص للإمام البخاري ..عن أبي هريرة رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ بَيْنَما رَجُلٌ يَمْشِي بفلاة.. فَاشْتَدَّ عَلَيْهِ الْعَطَشُ فَنَزَلَ بِئْرًا فَشَرِبَ مِنْهَا ثُمَّ خَرَجَ فَإِذَا هُوَ بِكَلْبٍ يَلْهَثُ يَأْكُلُ الثَّرَى مِنْ الْعَطَشِ فَقَالَ لَقَدْ بَلَغَ هَذَا مِثْلُ الَّذِي بَلَغَ بِي فَمَلَأَ خُفَّهُ ثُمَّ أَمْسَكَهُ بِفِيهِ ثُمَّ رَقِيَ فَسَقَى الْكَلْبَ فَشَكَرَ اللَّهُ لَهُ فَغَفَرَ لَهُ.. والأذى حرام.. حرام أن تؤذي جارك.. حرام أن تؤذي من حولك..و ما حولك..قد يهوي المؤمن بسببه.. إلى أسفل الدركات في نار جهنم.. يقول حبيبنا صلى الله عليه وسلم و الحديث في الصحيحين و النص للإمام البخاري.. عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ تعالى عَنْهُمَا.. عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ دَخَلَتْ امْرَأَةٌ النَّارَ فِي هِرَّةٍ رَبَطَتْهَا فَلَمْ تُطْعِمْهَا وَلَمْ تَدَعْهَا تَأْكُلُ مِنْ خَشَاشِ الْأَرْضِ.. وسلفنا الصالح.. خريجو المدرسة المحمدية.. أدركوا أمر الله في الإحسان.. فأحسنوا لمن حولهم..كما أحسنوا لما حولهم.. أبو حنبل جارية بن مر.. وكان أحد الكرماء .. سقط جراد بفناء بيته.. فجاء الناس لصيده.. فلما رآهم قال أين تريدون ؟ قالوا نريد جارك هذا.. قال أي جيراني ؟ قالوا الجراد.. فقال أما إذا جعلتموه جاراً لي فو الله لا تصلون إليه أبداً..ثم منعهم حتى انصرفوا.. فالمؤمن .. كتب الله عليه الإحسان لكل شيء..كتب عليه الإحسان لكل الناس.. وإحسانه بعد الأبوين والأهل إلى الجار أشد..صح عن النبيء صلى الله عليه وسلم قوله ..من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليحسن إلى جاره وقوله صلى الله عليه وسلم .. من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم جاره.. فبالإحسان تصفو القلوب..تملؤها المودة والمحبة والرحمة..أبو الجهم العدوي.. باع داره بمائة ألف درهم، ثم قال للمشترين:بكم تشترون جوار سعيد بن العاص ؟ فقالوا: وهل يشترى جوار قط ؟ قال: ردوا عليَّ داري، وخذوا دراهمكم، والله لا أدع جوار رجل: إن فقدتُ سأل عني، وإن رآني رحب بي، وإن غبت حفظني، وإن شهدت قربني، وإن سألتُه أعطاني، وإن لم أسأله ابتدأني، وإن نابتني جائحة فرّج عني... فبلغ ذلك سعيداً فبعث إليه بمائة ألف درهم ..وقال له لاتبع دارك..وابق بجواري .. أخلاق..اكتسبها سلفنا من هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم فجعلوها بينهم..فملكوا الدنيا..و ملؤوها عدلا و رخاء.. اللهم ألف بين قلوبنا..و عمم الوفاق بيننا..واهدنا سبل السلام..و نجنا من ظلمات الفرقة إلى نور الوئام..
أقول قولي هذا ..وأستغفر الله العظيم الكريم لي و لكم /