خطبة الجمعة : الحرية

خطبة الجمعة : الحرية ..للإمام الشيخ عبدالله المؤدب البدروشي

* * *

الحمد لله الذي أراد فقدر.. و الذي خلق فأمر.. والذي ملك فأثاب و قهر.. أشهد ان لا إله إلا الله.. وحده لا شريك له.. مالك الملك ..يؤتي الملك من يشاء ..وينزع الملك ممن يشاء، ويعز من يشاء ..ويذل من يشاء.. بيده الخير إنه على كل شيء قدير..و أشهد أن سيدنا و حبيبنا و عظيمنا محمدا عبده و رسوله..نبي الهدى..و إمام أهل التقى..و السيد السند والأسوة و المقتدى.. اللهم صل و سلم عليه و على آله و صحابته ..واجزه عنا خير ما جازيت نبيا عن أمته.. ويسر لنا اتباع نهجه و التزام سنته..ولا تحرمنا يوم القيامة من قربه و حوضه و نيل شفاعته.. أما بعد .. إخوة الإيمان و العقيدة
وكان الرهان على الشباب.. وظل الحديث، سنين طويلة ..يصور الشباب ملعبا وكرة....فجعل الشاشة كرة.. و الإذاعة كرة.. وما نقرأ كرة.. و من هذا المكان الطاهر.. كان القول أن الشباب ليس كرة.. وأن الكرة ليست كل شيء في حياة الناس.. ومن هذا المنبر كان القول أن الشباب يصنع النصر.. وكان المثل هم الصحابة الأبرار.. رضوان الله عليهم أجمعين.. فالذين اجتمعوا حول رسول الله صلى الله عليه وسلم..و نصروه و أيدوه هم الشباب..كان أكبرهم سنا أبوبكر الصديق في الثامنة و الثلاثين .. و كان عمر بن الخطاب في السابعة و العشرين.. وكان الزبير و سعد بن أبي وقاص و جعفر بن أبي طالب في الثامنة عشر..وخباب في العشرين.. و مصعب في الرابعة والعشرين.. و عبدالله بن مسعود في الرابعة عشر.. و يوم أسس عقبة ابن نافع مدينة القيروان.. و قاد جيشا فتح به إفريقيا.. كان عمره..في الثانية و العشرين.. ثار شبابنا من أجل الحرية..بعدما مرت سنة الشباب من غير نفع للشباب..وكذلك كانت ثورة الشباب يوم بدر و يوم أحد ويوم فتح مكة .. ثار شباب الصحابة.. من أجل الحرية.. حرية المعتقد.. حرية العبادة, حرية الفكر, حرية التعبير, حرية الرزق, حرية العمل.. هذه الحرية التي نادى بها عمر بن الخطاب..يوم صاح في وجه الظلم.. متى استعبدتم الناس و قد ولدتهم أمهاتهم أحرارا.. هذه الحرية زين بهجتها الصحابي الشاب.. ربعي بن عامر..في القادسية .. يوم أرسله قائد جيش المسلمين.. سعد بن أبي وقاص.. إلى رستم قائد جيش الفرس.. قال له رستم.. ما الذي جاء بكم؟ لقد عهدناكم صعاليك تتقاتلون فيما بينكم ، ما الذي غير أحوالكم حتى جئتم إلينا تريدون ديارنا؟ فأجابه الصحابي ربعي رضي الله عنه : إن الله ابتعثنا لنخرجكم من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام، ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة.. فالحرية فطرة فطر الله الناس عليها.. حققها ديننا باحترامه للعقل..والعقل في ديننا العظيم..باب الإيمان و مدخله .. وجاء القرآن يأمر الناس جميعا بتحكيم العقل.. و التفكر في آيات الله في النفس و الكون.. فتعددت الآيات التي تحمل قوله تعالى إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ .. وعن التأمل و التدبر جاء قول الله تبارك و تعالى .. أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا.. أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا..ويرفع الله مكانة العلم و العلماء فيقول جل جلاله.. قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ.. من أجل ذلك أقر الإسلام حرية التفكير..و حرية الرأي.. مما جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم.. يعلي كلمة الحق..فوق الجهاد ..فقال و قوله في السلسلة الصحيحة أَفْضَلُ الْجِهَادِ كَلِمَةُ حق.. عِنْدَ سُلْطَانٍ جَائِرٍ .. و في ديننا.. أن الذي يسكت عن كلمة الحق.. ولا يجهر بها أمام الحاكم هو شيطان .. كما قال أحد سلفنا.. الساكت عن الحق شيطان أخرس.. فالمسلم له حق إبداء الرأي دون حرج..وله حق المناقشة دون خوف من أحد..وفي حياة الفاروق عمر رضي الله عنه.. درر.. و مصابيح.. أنارت تاريخ هذه الأمة .. يقول له أحد المسلمين يوما..اتق الله يا أمير المؤمنين.. فيلومه آخر.. فيقول عمر.. دعه يقول كلمة الحق.. فلا خير فيكم إن لم تقولوها .. ولا خير فينا إن لم نقبلها.. و يوم وقف الفاروق خطيبا في الناس..ودعاهم للتخفيض في المهور..وقفت له إمراة.. وقالت له لا يا أمير المؤمنين.. قولك مردود بقول الله تبارك و تعالى.. وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا..فماذا قال عمر..هل أسكتها.. هل أخرسها..هل أحالها على مركز الأمن.. قال لها و للحاضرين.. كل الناس أعلم منك يا عمر.. أصابت امرأة وأخطأ عمر.. الفاروق عمر..وردت عليه مجموعة من الثياب.. فجمع الناس وأعطى لكل رجل ثوبا.. و في يوم ..صعد المنبر..و وقف يخطب في الناس ..قال لهم أيها الناس إسمعوا و أطيعوا.. فقام له أحد الحاضرين قائلا.. لا سمع و لا طاعة.. قال له عمر العظيم.. ولم يا أخ الإسلام.. قال الرجل.. ثوبك طويل و ثيابنا قصيرة.. أي أنك استحوذت على الثوب الطويل و أعطيتنا الثياب القصيرة.. فالتفت الفاروق نحو ولده عبدالله.. قال له قم يا ولدي.. واقصص عليهم لماذا ثوبي طويل.. فقال عبدالله بن عمر.. لما أخذ أبي ثوبه وجده قصيرا..فأخذ مني ثوبي و جمعه بثوبه فأصبح الثوب طويلا.. فقال الصحابة .. أما الآن فسمعا و طاعة.. لم يسجن ذلك الرجل..ولم يعاقب..و لم يلحق أخوته و أقاربه أذى.. لأنهم تعودوا على حرية الكلمة و حرية الرأي.. وكلمة الحق.. و بتلك الحرية تعلم المسلمون اختيار حكامهم.. و علمهم الإسلام.. مراقبة حكامهم.. وفي القرآن الكريم..أنار الله لهذه الأمة الطريق..فقال تبارك و تعالى.. وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ.. و الشورى هي ثمرة الحرية.. تثمر بدورها حق الإختيار.. فلا يصعد إلى موقع القرار إلا الكفء الذي تختاره الأمة بمحض إرادتها ، تضمن باختيارها الحر..أن لا يقدم من اختارته .. على أمر يضر بالأمة.. وتبعد عنها باختيارها الحر أن يتسلط عليها الظالمون الفجرة، لأن غياب الشورى يؤدي إلى الانحراف و يفضي إلى الطغيان ..ومصادرة حقوق الأمة.. هكذا علمنا الإسلام.. لكننا في بلدنا هربوا بنا عن الدين.. فضاعت السفينة .. و ضاع منا الهدف.. وإن شاء الله في ثورة شبابنا هذه..عودة لهذا الدين.. عودة للمنهج القويم..لنختار من نشاء دون زيف.. و لنقول كلمتنا دون خوف ..و لنعيش حياتنا دون حيف ..
اللهم بلغنا مقاصدنا..و وحد على الحق كلمتنا..و اجمع على الخير شملنا.. واجعلنا من الراشدين/ أقول قولي هذا ..و أستغفر الله العظيم الكريم لي و لكم